من أن البقاء ليس موضوعا للعقد ولا مجعولا للمتعاقدين مسلم ولكن لما كان يرتفع بالفسخ وكان الفسخ بحسب اعتبار العقلاء رجوعا عن العقد كالبداء في الأحكام العرفية، وكالنسخ في الأحكام الشرعية، كان ترتيب أحكام البقاء والاستمرار على ذلك وفاء بالعقد وترك ذلك نقضا له، فالوفاء بالعقد عرفا ليس مجرد ترتيب أثر العنوان المجعول للمتعاقدين بلحاظ الحدوث فقط بل يعم الحدوث والبقاء ويقابله نقض العهد وهو ترك العمل بموضوع العقد ولو بقاء فالوافي بالعقد هو الذي لا يرجع عن عقده بل يبقى بانيا عليه مستمرا على العمل بموضوعه في مقابل الناقض للعقد الذي لا يعمل كذلك بل يعمل على خلافه راجعا عن عقده، وكذلك الوفاء بالنذر، والوعد، والعهد لا يراد منه إلا الاستمرار على العمل بلحاظ المضمون حدوثا وبقاء وهو المعنى بقوله تعالى: (يوفون بالنذر) وقوله تعالى: " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " وقوله تعالى: " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " وقوله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " ويقابل ذلك الخلف والنقض ونحوهما، وإلى هذا يشير ما روي عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال لمن أنكر عليه التحكيم وسأله الرجوع عنه:
{ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع أليس الله تعالى قد قال: أوفوا بالعقود، وقال: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} وما روي من قوله " ع " لابن جريش: {أبعد أن كتبناه ننقضه إن هذا لا يحل} وبالجملة:
دوام مضمون العقد ليس داخلا في مضمون العقد وإنما مضمونه مجرد الحدوث أعني مجرد حدوث الملكية أو البدلية أو نحوهما، ولأجل ذلك كان مجرد صحته ونفوذه إنما يقتضي ثبوت مضمونه حدوثا من دون فرق بين العقد الجائز واللازم في ذلك وإنما الفرق بينهما في أن الجائز لا يجب الوفاء به بل يجوز رفع اليد عن مضمونه بقاء، واللازم لا يجوز فيه ذلك فإذا ثبت عموم وجوب الوفاء بالعقود اقتضى عموم لزومها فإذا قام دليل على عدم وجوب الوفاء وجواز النقض في عقد خاص كان ذلك تخصيصا لذلك العموم فإن دل على عدم وجوب الوفاء به مطلقا كان تخصيصا للعموم الافرادي، وإن كان في زمان معين كان تخصيصا للعموم الأزماني بالنسبة