قوله تعالى: من آية، أي: من علامة. وهي مطلقة شاملة لكل ما يصدق عليه العلامة، سواء كانت تشريعية أو تكوينية. فالتشريعية مثل الآية الدالة على حكم من الأحكام فتكون حاكية عن جعله وثبوته. والتكوينية مثل ما يدل على وجود الصانع أو على شئ من نعوته وأسمائه جل ثناؤه من الأعيان.
ويظهر من البلاغي، أن المراد من الآية في المقام هو ما في الكتب الإلهية السابقة لإطلاق الآية والآيات عليها في عدة من آيات القرآن الكريم. قال تعالى:
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (1) وغيرها من الآيات. (2) أقول: إطلاق الآية والآيات على تلك الكتب، لا يوجب تقييد الآية بها ولا انحصارها فيها. ولعل منشأ هذا أنه زعم جواز نسخ حكم من أحكام الشرائع السابقة بالقرآن وعدم جواز نسخ شئ من أحكام القرآن بالقرآن. ولا دليل لهذا، فإن الدين الذي اختاره وارتضاه سبحانه لأنبيائه وأصفيائه هو الإسلام. قال تعالى:
لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. (3) إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب. (4) فالدين الذي جاء به الأنبياء الكرام واحد، غير أن الله سبحانه جعل لكل أحد من أنبيائه شرعة ومنهاجا. قال تعالى:
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. (5)