لا بد أن يكون عن تقدير سابق.
قلت: نعم، لا بد في كل حادثة من مشية وإرادة وقدر وقضاء سابق، إلا أن المقطوع من الكتاب والسنة أن هذه الحقائق كلها حادثة بالحدوث الحقيقي، لم يكن بوجه ثم كان. فالنسخ المسبوق بها لا يكون إلا حادثا بالحقيقة. لأنه جار عن مشية وإرادة وقدر وقضاء حادث مملوك لله سبحانه بالمالكية الذاتية، فيشاء سبحانه من جهة أنه مالك لمشيته وهكذا في إرادته وقدره وقضائه.
وقوله تعالى: ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير. الاستفهام تقريري. وواضح أن الجواب إقرار وإثبات. أي: نعلم ونشهد على أنه تعالى على كل شئ قدير. وهذه الجملة المباركة في مرحلة التعليل لما تقدم في صدر الآية من جواز نسخ آية وإذهابها أو تأخيرها عن الوقت المضروب عليها وإتيان آية خير من المنسوخة والمنسية أو مثلهما. وهذه الجملة تقرير لسعة اقتداره تعالى على التبديل والتحويل بإزالة آية ومحوها وإثبات آية أخرى مكانها. وفيها احتجاج على إبطال قول اليهود: إن الحوادث تجري طبق النظام المقدر المقضي في الأزل وليس المراد إلا إجراء ما كان مكتوبا في الأزل طبق ما كتب لا يقدر على تحويل شئ مما في هذا الكتاب ولا يقدر على كتابة جديدة لم يكتب في الكتاب الأزلي.
وقوله تعالى: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض. هذا تعليل آخر لما تقدم في صدر الآية الكريمة من جواز إزالة آية وإثبات آية أخرى مكانها. والفرق بين هذا التعليل وسابقه، أن السابق لبيان سعة اقتداره تكوينا على تبديل آية مكان آية - سواء كانت تكوينية أو تشريعية - واستحالة أن يمتنع عليه تعالى شئ من ذلك بخلاف هذا. فإن هذا تذكرة وتثبيت لشمول مالكيته تعالى لكل شئ ملكا حقيقيا ذاتيا تشريعيا وتكوينيا وليس تصرفه سبحانه في جميع السماوات والأرض وما فيها ومن فيها، إلا تصرف ذي حق في حقه. فيفعل تعالى ما يشاء ويحكم ما يريد في