ونصر الروم على المجوس. ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين ونصر أهل الكتاب على المجوس. فذلك قوله: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وهو يوم بدر. (1) وقوله تعالى: في بضع سنين. قالوا: إن البضع هو من الثلاثة إلى العشرة. وهذه المدة أجل مضروب على وعده تعالى. أي: إن الروم سيغلبون الفرس وينصرهم الله على الفرس في عرض هذا الأجل وهو بضع سنين.
وقوله تعالى: لله الأمر من قبل ومن بعد. قوله: " لله " خبر مقدم و " الأمر " مبتدأ مؤخر. قدم الجار والمجرور لإفادة الحصر والاختصاص، أو لعناية أخرى.
وهذه الجملة المباركة في حد نفسها تمجيد لله سبحانه. أي: إن الأمر لله وحده وهو المالك للأمر على الإطلاق ويده الفائضة الباطشة غير مغلولة ولا مغلوبة - سواء كان قبل أمره أو بعد أمره - فيقضي ويأمر تعالى بعد الأمر الأول كما كان له تعالى أن يقضي الأمر الأول. والظاهر أن هذه الجملة استدراك للأجل المضروب على إنجاز ما وعد الله سبحانه من نصره الروم وغلبتهم الفرس في عرض بضع سنين. أي: إن له تعالى الأمر من القيام والوفاء بوعده الجميل قبل انقضاء المدة المضروبة أو بعده. فإن الأمر والمشية إلى الله سبحانه، فيقدم وعده إن شاء ويؤخر إن شاء.
فتحصل أن الله سبحانه أخبر بغلبة الروم الفرس وشرط فيه إمكان التبديل والتغيير في الأجل المضروب، مع الالتزام على نفسه القدوس العمل بأصل الغلبة في المدة أو بعدها. وللمفسرين في ربط هذه الجملة بما تقدمها من الآيات كلمات غير خالية عن الخلل:
منها أن التقدير: لله الأمر من قبل أن غلبت الروم وبعد أن غلبت وفيه أن أمره تعالى بعد مغلوبية الروم ليس إلا الوفاء بوعده وهو غلبة الروم