والحاصل أن تطبيق العقل اللغوي على هذه الوجوه والأقسام مشكل جدا، بل غير صحيح.
قال المولى الأجل صاحب الحدائق: " لا ريب أن العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله سبحانه وسراج منير من جهته جل شأنه وهو موافق للشرع - بل هو شرع من داخل، كما أن ذلك شرع من خارج - لكن ما لم تغيره غلبة الأوهام الفاسدة وتتصرف فيه العصبية أو حب الجاه أو نحوهما من الأغراض الكاسدة. وهو قد يدرك الأشياء قبل ورودت الشرع بها، فيأتي الشرع مؤيدا له. وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها، فيأتي الشرع كاشفا له ومبينا، وغاية ما تدل عليه هذه الأدلة مدح العقل الفطري الصحيح الخالي من شوائب الأوهام العاري عن كدورات العصبية وإنه بهذا المعنى حجة إلهية لإدراكه بصفاء نورانيته وأصل فطرته بعض الأمور التكليفية وقبوله لما يجهل منها متى ورد عليه الشرع بها وهو أعم من أن يكون بإدراكه ذلك أولا أو قبلوه لها ثانيا كما عرفت... أما لو أريد به المعنى الأخص وهو الفطري الخالي من شوائب الأوهام الذي هو حجة من حجج الملك العلام - وإن شذ وجوده بين الأنام - ففي ترجيح النقلي عليه إشكال. والله العالم. " (1) أقول: قد تقدم أن العقل نور مجرد وموجود عيني خارج عن حقيقة الإنسان يفيضه تعالى على الإنسان فيعقل ويقبضه فيجهل. وهو حجة على العاصي حتى فرغ عن المعصية، وتأييد ونور للمطيع حتى فرغ عن الطاعة. وهو مدار التكليف في جميع الحالات، سواء كان مشتغلا بالطاعة أو منغمرا في المعاصي. فهو موجود في العاصي والظالم والجاني والمطيع، حين الفعل وقبله وبعده، إلا أن يقبضه الله سبحانه. فلو كان وجوده في الأنام شاذا لزم تعطيل الحجة وبطلان التكليف عن الأكثر.