لإدراك المعقولات وهي قوة محضة خالية عن الفعل، كما للأطفال... والعقل بالملكة هو علم بالضروريات واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريات. العقل بالفعل هو أن تصير النظريات مخزونة عند قوة العاقلة بتكرار الاكتساب بحيث يحصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت من غير تجشم كسب جديد، لكنها لا يشاهدها بالفعل.
العقل المستفاد هو أن تحضر عنده النظريات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه. " (1) أقول: تفسير العقل بالقوة والغريزة غير مرضي. والاستعداد والفعلية والتسلط على المبادي والتمكن من المقدمات وتنظيمها، إنما هي مما يتوصل بها إلى العلم الحصولي وكسب الصورة الجازمة أي، تقع هذه الفعلية في طريق كسب الصورة الجازمة، والصورة وذوها ومحلها كلها معلومة بالعلم والعيان الحقيقي. وبديهي أن مرتبة العلم الحقيقي بالصورة والنفس التي محلها مرتبة الإحاطة والعيان. فلا يعقل أن يكون النفس والصورة والفعلية في مرتبة العلم بها.
والعقل شعور مجرد خارجي وحجة على عدة من الحلال والحرام الذاتي وما يحسن وما يقبح في الواقع. يستفيد منه الفقيه في معرفة بعض الأحكام مثل حرمة الغصب وأمثاله. والعالم الأخلاقي يستفيد في معرفة آفات النفس وفجورها وتقواها وكذلك في مقام تعليم الناس وتهذيب أخلاقهم. لأن الله سبحانه علمهم وألهمهم فجور النفس وتقواها وألهمهم أن الفلاح والنجاح لمن زكاها والخيبة والخسران على من دساها. وأما الشيطنة والنكراء - أي: تنظيم الحيل وأسباب الغلبة على الناس - فليس إلا العلم بهذه الأسباب والحيل وتنظيمها. غاية الأمر أنه بعد العلم بها لا يجوز ارتكابها. وتسمية ذلك بالشيطنة والنكراء، إنما هي بمناسبة أن المورد ليس مما يقع في طريق طاعة الرب سبحانه، بل هذه مغالطات وتسويلات وخديعة من تخليط الحق بالباطل وإبرازه في كسوة الحق، وليس هذا من باب إعمال العقل في شئ.