الأمم في عرف تخاطبهم. فلا يحتاج دعوة النبي والرسول في هذه المراحل الثلاثة إلى شئ من البرهان. ولا دخالة ولا أصالة للبرهان في شئ من شؤونها لا إثباتا ولا نفيا. لأن إثبات ما هو بين وواضح في حد نفسه، تحصيل للحاصل، بل يكون من باب تفسير الأجلى بالأخفى. وأما نفيا فهو ارتكاب لمخالفة البداهة.
قال لي أيها العاقل: كيف تفرض المعارضة بين القطع الذي بمنزلة الجزم والحكم من دون كشف الإصابة وبين الأنبياء الواجدين للعلم الحقيقي والروح القدسي؟! وهم يرون أن هذا الرجل الذي يعارضهم منغمر في جهله المركب، لأن الإصابة وكشفها خارجان عن اختياره. وأي فرق بين عصر حضورهم وبين عصر وفاتهم؟! وما الفرق بين معارضتهم في زمان حضورهم في مقام الإفهام والتفهيم وبين معارضتهم بعد وفاتهم بالنسبة إلى محكمات كتبهم وقطعيات سننهم؟ " ثم لا يخفى أنا قد أشبعنا الكلام في البحث عن روح القدسي في مقالتنا " الروح في القرآن ". (1) وكما أنه حجة للأنبياء من حيث نبوتهم ورسالتهم وجميع شؤونهم الراجعة إلى نبوتهم، كذلك الكلام بعينه في أوصيائه المصطفين والأئمة الراشدين، صلوات الله عليهم، فإنه تعالى أعطاهم روح القدس حجة على إمامتهم ووصايتهم وفي بلاغاتهم وجميع شؤونهم الراجعة إلى مقام الإمامة التي أكرمهم الله بها. وهم مؤيدون بهذا الروح ومحدثون. وكذلك سيدتنا الزهراء الطاهرة صلوات الله عليها، حيث إنها محدثة يخاطبها ويكلمها الروح الأمين من وراء الحجاب. ولها كتاب يسمى ب " مصحف فاطمة ". وهو من مفاخر مواريث الإمامة عند الحجة القائم المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا المصحف ليس فيه تشريع من الحلال والحرام وغيرهما مثل القرآن، بل هو من قبيل البشارات والأحوال الشخصية والإخبار بالغيوب ونظائرها.