تمجيده تعالى بأنه سبحانه واجد ومالك لخزائن الغيب، ثم تمجيده تعالى بأنه لا يعلمها إلا هو. وهذا المعنى بعيد عن سياق الآية. إذ الواضح أن الغرض المسوقة له الآية ابتداء ومستقيما من أولها إلى آخرها، تمجيده تعالى بكونه عالما بالغيب فقط، لا كونه تعالى مالكا فعالما. وإنما المناسب لبيان المالكية قوله تعالى:
وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم. (1) فقد تحصل أن معنى الآية الكريمة، هو تمجيده تعالى بسعة العلم وإحاطته على الغيوب وغيرها.
قوله تعالى: ويعلم ما في البر والبحر.
أقول: فيه تصريح بعموم علمه تعالى وسعته وإحاطته بما في عالم الشهادة، أعيانها وحوادثها، كبيرها وصغيرها، كثيرها وقليلها.
قوله تعالى: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
بيان: لا ريب أن الورقة وما بعدها من المعطوفات من جملة معلوماته تعالى بحسب شمول قوله: ويعلم ما في البر والبحر. وفي تغيير سياق الكلام وأسلوبه دلالة على أن الورقة وما بعدها في عين كونها معلومة لله سبحانه، مكتوبة في صحيفة مطهرة تبين ولا تبان. ومما ذكرنا يعلم أن المراد من الكتاب المبين في المقام ليس هو علمه تعالى، كما ذكره بعض المفسرين. وإطلاق الكتاب على عدة مهمة من المعلومات في شأن خاص إطلاق شائع. وكذلك أيضا إطلاقه على عدة قليلة منها بل واحدة. قال تعالى:
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة. (2)