عن علمه شئ من الممكنات ولا من الممتنعات.
ويرد عليه أولا، أن هذا البرهان أيضا لا ينهض حجة لإثبات علمه تعالى للأشياء على نحو الإحاطة والعيان.
وثانيا: يستفاد من دليل هذا البرهان أن ملاك علمه تعالى بالأشياء إنما هو كونه تعالى فاعلا وعلة للممكنات، لأن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، والله تعالى علة للممكنات، فيكون علمه بذاته علما للممكنات. وهذا يشمل أفعال العباد أيضا. لأن أفعال العباد أيضا من جملة الممكنات. فهو تعالى يكون علة وفاعلا لأفعال العباد أيضا. فتستند أفعال العباد وجرائمهم إليه تعالى. وضرورة الدين وبداهة العقل وشهادة الوجدان والبراهين الحقة الإلهية، قاضية على بطلانه. وإن أفعال العباد مستندة إلى الاستطاعة التي يملكونها بالله الذي يملكها دونهم، فإن يملكها إياهم، كان ذلك من عطائه، وإن يسلبها عنهم، كان ذلك من بلائه. هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم.
والظاهر أن البرهان الأول المنسوب إلى المتكلمين والبرهان الثالث المنسوب إلى الحكماء، كلاهما مشتركان في إثبات علمه تعالى بالأشياء على نحو العلم الحصولي، إلا أن إثبات علمه تعالى بالبرهان الثالث متوقف على إثبات الإمكان في المعلومات وعليته تعالى لها بخلاف البرهان الأول، فإنه متك على أمر محسوس مشاهد بالضرورة. لأن إتقان الصنع والنظم مشاهد بالضرورة. فيكون البرهان الأول أسد وأحكم من البرهان الثالث.
ولكن قد ذكرنا غير مرة أن الاستدلال بالآيات على وجود الصانع وعلمه ليس على سبيل برهان الإن كي يكون إثباتا لأمر مجهول مشكوك وتصوراته له تعالى بالوجوه والعناوين العامة. بل مرجع هذا الاستدلال هو التذكر لله الظاهر بذاته لذاته وعلمه وقدرته وسائر نعوته.