من العلم والحياة والقدرة ضرورية فطرية بالفطرة التي فطر الناس عليها. فإنه سبحانه عرف نفسه إلى عباده فيعرفونه بهذه المعرفة مقدسا ومنزها عن كل ما يتوهم ويتصور ومبائنا مع جميع خلقه. وهذه المعرفة فعله تعالى ومن صنعه الجميل.
ولا كيف لصنعه. سبحانه ما أعجب صنعك وما أجل فضلك على عبادك! فالآيات والعلامات المخلوقة المشهودة تذكرة وإرشاد إلى هذه المعرفة. فيتعرف ويتجلى سبحانه عند مشاهدة الآيات واكتناه مخلوقيتها، فيعرفونه تعالى وعلمه وقدرته خارجا عن حد التعطيل والتشبيه. فهي أجل برهان وأكبر شاهد على مباينته تعالى مع جميع ما سواه. وكفى بالله شاهدا لعباده الموحدين على قدس ذاته وعلمه عن هذه الفرضية الوهمية بأي معنى علمي افترض.
ولا يخفى أن المراد بظهوره تعالى بالآيات والعلامات، ليس إثبات أمر مجهول مشكوك على سبيل برهان الإن وتصوره تعالى بالوجوه والعناوين العامة. فإن الآيات والعلامات تذكرة وإرشاد لرفع الغفلة والنسيان عن المكلفين.
وهذا من نفائس علوم القرآن وحملته في هذا الموقف الخطير. فالعارفون به تعالى في مرتبة معرفته سبحانه - سيما عند معرفتهم به تعالى في حال البأساء والضراء - يعرفونه تعالى بحقيقة العرفان، ويعرفون أيضا أنهم عباد مضطرون لا يملكون كشف الضر والسوء عن أنفسهم. ويجدون أن المواهب النورية - الحياة والقدرة والعلم والشعور والعقل - كلها خارجة عن ذواتهم يملكونها بتمليكه تعالى وهو تعالى أملك بها في مرتبة مالكيتهم بهذه الأنوار أيضا، فلا تكون مالكيته تعالى منعزلة عنها. فيفيضها الله تعالى على الأرواح المظلمة فيستضيئون بها ويعلمون، وتقبض عنهم، فهم في فقر ذواتهم يركزون. والأمر يكون كذلك إلى أبد الآباد. ولعل الغفلة عن هذا أوجب التباس الأمر على الصوفية حيث زعموا أن ذواتهم أنوار مجردة لا يزالون يتكاملون من حيث نورية ذواتهم.