متبوع للأشياء ومقدم على إيجادها. ومن حيث إنه عين الأشياء، تابع لها ومقارن لإيجادها، بل هو عين إيجادها. ومعلومية الأشياء له تعالى بالاعتبار الأول، عبارة عن كونها ظاهرة له في ذاته بذاته، حيث إنها عين ذاته بحسب الحقيقة الوجودية.
وبالاعتبار الثاني عبارة عن كونها ظاهرة له في ذواتها بأنفسها على قدر وجودها ونوريتها: سواء كانت موجودات عينية قائمة بذواتها، أو صورا إدراكية قائمة بمحالها كلية أو جزئية، عقلية أو حسية، جواهر أو أعراضا. وظهورها له بهذا الاعتبار هو بعينه صدورها عنه منكشفة عنده حاضرة لديه.
والأشياء بالاعتبار الأول علم الله. وهي بهذا الاعتبار عند الله. وبالاعتبار الثاني معلومات الله. وهي بهذا الاعتبار عند أنفسها. وما عند الله منها أحق مما عند أنفسها. إذ ذاك هي الحقائق المتأصلة التي ينزل الأشياء منها منزلة الصور والأشباح، والعلم هنالك أقوى من علم الشئ بذاته وبغيره علما حضوريا. لأنه أقوى في شيئية المعلوم من العلوم في شيئية نفسه. لأنه مذوت الذوات ومحقق الحقائق والشئ مع نفسه بالإمكان ومع مشيئه وموجده بالوجوب والتمام، وتمام الشئ فوق الشئ وكماله وغايته. فإذا كان ثبوت الأشياء بذواتها حضورا لله سبحانه وعلما وظهورا كما في العلم المقران للإيجاد، فثبوت ما هو أولى بها من ذواتها أولى بأن يكون حضورا وعلما وظهورا كما في العلم المقدم على الإيجاد ". (1) أقول: هذه الفرضية التي ذكرها مع وهن شديد لها، لا تدل على علمه سبحانه بالأشياء في مرتبة الأشياء. ضرورة أن الأشياء من حيث حقيقتها الوجودية ليست منطوية في ذاته تعالى. فإن المسلم من مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام أن البينونة بينه تعالى وبين ما سواه بينونة صفة التي هي أشد أنحاء البينونات، وقد بان ربنا جل مجده من الأشياء وبانت الأشياء منه سبحانه.