التقليد هذا ولا ذلك ولا ذاك إنما هو كما مر وكما عرفت هو العمل على طبق فتوى أحد المجتهدين.
نعم، الأخذ أو الالتزام طريق إلى العمل برأي المجتهد لا موضوعية له في حقيقة التقليد، كما ستراه وسترى أن مبدأ اشتقاق التقليد الصرفي أو استعارته البيانية يقضيان بما نقول، ذلك إن جعل المقلد فتوى المجتهد قلادة له إنما يحققه العمل بها، وصرف الالتزام بلا عمل لا يكون تقليدا لتلك الفتوى المتعلقة بالعمل، فحقيقة التقليد في المقام لا تتحقق إلا بتحقيق العمل بداهة إن أخذ الحكم العملي للعمل لا يتحقق إلا بتطبيق العمل. أضف إلى ذلك أنه لو سألنا القائل بأن التقليد هو الأخذ بقول الغير: ما مرادك بهذا الأخذ؟ وما هي حقيقة معناه؟ فإن أردت بالأخذ هو مجرد العلم والاستعلام، فهذا ليس بتقليد بلا كلام، وإن أردت به الالتزام والتعبد بمقتضاه بحيث يكون هناك واجب آخر متعلق بالقلب من قبيل الالتزامات والتدينات، فلزوم ذلك على المكلف ممنوع، ولا دليل عليه، وما بعث القائلين على القول بأن التقليد:
هو الأخذ أو الالتزام إلا تخيل أن العمل مشروط بالتقليد، بمعنى أنه يشترط في عمل المكلف أن يكون عملا عن تقليد، فلو كان التقليد هو العمل كان العمل بلا تقليد، أو حصل الدور المعروف، هذا كل أو جل ما دعاهم إلى الالتزام بأن التقليد هو الأخذ أو الالتزام، لكن دفع هذا الوهم هين يسير، ذلك أن يقال: إن المعتبر في العمل هو وقوعه على وجه التقليد، يعني صدوره مطابقا لرأي الغير عند المكلف، فالعمل لا يتوقف على سبق التقليد، ولا يلزم من عدم سبقه كون العمل بلا تقليد، إذ صحة العمل لا تتوقف على أكثر من كونه صادرا ممن يرى مطابقته لفتوى الغير ولو كان ذلك عن طريق مقارنة العمل للأخذ والالتزام، ولا ضرورة للالتزام بسبق هذا الأخذ والالتزام.