آية المباهلة (1) السادسة: أجمع المفسرون (2): على أن: " أبناءنا " إشارة إلى الحسن والحسين، " وأنفسنا " إشارة إلى علي عليه السلام. فجعله الله نفس محمد
(١) قال الله تعالى: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل: تعالوا، ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ".
(٢) قال الحاكم في كتابه: " معرفة الحديث " (ط مصر) ص ٥٠: وقد تواترت الأخبار في التفاسير، عن عبد الله بن عباس وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ يوم (المباهلة) بيد علي، وحسن، وحسين، وجعلوا فاطمة وراءهم، ثم قال صلى الله عليه وآله: هؤلاء أبناؤنا، وأنفسنا، ونساؤنا، فهلموا أنفسكم، ونساءكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
ومن جملة مصادرها: صحيح مسلم ج ٢ ص ١٠٨ باب فضائل علي (ع)، والصواعق المحرقة ص ٩٣، ومسند أحمد ج ١ ص ١٨٥، وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٦٦، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٥٠، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٧٣، وتفسير الطبري ج ٣ ص ٢١٣.
وفي تفسير البيضاوي ج ٢ ص ٣٢، بعد نقل مجئ أصحاب الكساء إلى المباهلة، قال:
فقال أسقفهم: يا معشر النصارى: إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا.. إلى آخر ما قال، وروى ذلك الفخر في تفسيره ج ٨ ص ٨٠، والكشاف ج ١ ص ١٩٣.
وقد أجمع أهل القبلة: على أن الرسول لم يدع للمباهلة أي واحدة من النساء، بما فيهن أم هاني ذات الشأن والمكانة، وغيرها من أزواج النبي، ونساء الخلفاء والمهاجرين والأنصار سوى بضعته الزهراء. ولم يدع من الأبناء كذلك إلا سبطيه الحسن، والحسين، ومن الرجال سوى علي بن أبي طالب، مع وجود الخلفاء وسائر المهاجرين والأنصار، ولم يجعل أحدا من المسلمين شريكه في متن هدايته، وهذا هو منتهى التكريم لهؤلاء المصطفين من الله والرسول، وهذا مقام الأبرار لم يعطه الله ورسوله أحدا من المؤمنين سواهم، لأنه لم يكن بين النساء من تجمع شرائط الهداية إلا الصديقة الطاهرة، ومن الأبناء إلا ريحانتا الرسول صلى الله عليه وآله، الحسن والحسين، ولم يكن من الرجال من نفسه كنفس النبي الأعظم في هداية الأمة، إلا علي أمير المؤمنين، ولذا قال الزمخشري في تفسير الآية من كشافه ج ١ ص ١٩٣: وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام، وذكر ذلك مسلما به ابن حجر في الصواعق ص ٩٣.
وهذه الفضيلة نص قاطع بكون الحسن والحسين ابني الرسول صلى الله عليه وآله، كما تواترت به الروايات عنه بهذه الحقيقة القرآنية. قال الفخر الرازي في تفسيره ج ٨ ص ٨١: ومما يؤكد هذا قوله تعالى، في سورة الأنعام (٨٤ - ٨٥): " ومن ذريته داود وسليمان " إلى قوله: " وزكريا ويحيى وعيسى "، ومعلوم: أن عيسى (ع) إنما انتسب إلى إبراهيم (ع) بالأم لا بالأب، فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابنا.
وقال كمال الدين بن طلحة الشافعي، المتوفى (٦٥٤)، في " مطالب السؤل " ص ١٦ بعد ذكر حديث الغدير، ونزول آية التبليغ فيه: " فقوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه. قد اشتمل على لفظ (من)، وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه كان علي مولاه، واشتمل على لفظة (المولى)، وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى: الأولى، قال الله تعالى في حق المنافقين: " مأواكم النار هي مولاكم " معناه أولى بكم (ثم ذكر بعض معانيها إلى أن قال): فإن عليا منه كذلك، وهذا صريح في تخصيصه لعلي (ع) بهذه المنقبة العلية، وجعله كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة (من) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.
وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى: في آية المباهلة: (وأنفسنا وأنفسكم)، والمراد نفس علي على ما تقدم، فإن الله تعالى لما قرن بين نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وبين نفس علي، وجمعها بضمير مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما، فإنه أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيد المؤمنين، وكل معنى أمكن إثباته مما يدل عليه لفظ المولى لرسول الله فقد جعله لعلي (ع)، وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة علية، ومكانة رفيعة، خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيده وموسم سرور لأوليائه.
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء ج ١ ص ٦٦، بسنده: أن عليا دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال صلى الله عليه وآله: (مرحبا بسيد المسلمين، وإمام المتقين)، فسيادة المسلمين، وإمامة المتقين، لما كانت من صفات نفسه صلى الله عليه وآله، وقد عبر الله تعالى عن نفس علي بنفسه، ووصفه بما هو من صفاته.
أقول: ويعلم مما تقدم أن محبة النبي صلى الله عليه وآله لعلي، وفاطمة، والحسنين، واختياره لهم عن غيرهم، ليس بدافع من الغريزة الإنسانية، الموجودة في كل أحد، كما زعمه الزمخشري وغيره، في تفسير الآية بل هو يحب الناس بمقدار ما يرتبط أولئك الناس بتعاليم نبوته ورسالته، كما قال علي بن الحسين (ع) في دعائه في الصلاة على رسول الله، (الدعاء الثاني في الصحيفة السجادية): قطع في إحياء دينك رحمه، وأقصى الأدنين على جحودهم، وقرب الأقصين على استجابتهم لك، ووالى فيك الأبعدين، وعادى فيك الأقربين، وأدأب نفسه في تبليغ رسالتك (الدعاء).