وهذا مكابرة للحس، وتكذيب للضرورة الحاكمة بخلافه، فإنه لا حكم أجلى عند العقل من أن اللون الذي شاهدته في الثوب حين فتح العين، هو الذي شاهدته قبل طبقها، وأنه لم يعدم ولم يتغير، وأي حكم أجلى عند العقل من هذا وأظهر منه؟ ثم إنه يلزم منه محالات:
الأول: أن يكون الإنسان وغيره يعدم في كل آن، ثم يوجد في آن بعده، لأن الإنسان ليس انسانا باعتبار الجواهر الأفراد التي فيه عندهم، بل لا بد في تحقق كونه انسانا من أعراض قائمة بتلك الجواهر: من لون، وشكل، ومقدار، وغيرها من مشخصاته، ومعلوم بالضرورة أن كل عاقل يجد نفسه باقية لا تتغير في كل آن، ومن خالف ذلك كان سوفسطائيا.
وهل إنكار السوفسطائيين للقضايا الحسية، عند بعض الاعتبارات أبلغ من إنكار كل أحد بقاء ذاته، وبقاء جميع المشاهدات آنين من الزمان؟.
فلينظر المقلد المنصف في هذه المقالة، التي ذهب إليها الذي قلده، ويعرض على عقله حكمه بها، وهل يقصر حكمه ببقائه، وبقاء المشاهدات عن أجلى الضروريات؟ ويعلم أن إمامه الذي قلده: إن قصر ذهنه عن إدراك فساد هذه المقالة، فقد قلد من لا يستحق التقليد، وأنه قد التجأ إلى ركن غير شديد.. (1) وإن لم يقصر ذهنه، فقد غشه، وأخفى عنه مذهبه، وقد قال صلى الله عليه وآله: " من غشنا فليس منا " (2).
الثاني: أنه يلزم تكذيب الحس الدال على الوحدة، وعدم التغير، كما تقدم.
الثالث: أنه لو لم يبق العرض إلا آنا واحدا لم يدم نوعه (لم يلزم تأبيد نوعه)، فكان السواد إذا عدم، لم يجب أن يخلفه سواد آخر، بل