وكيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " (1) ولا مخاطب هناك، ولا ناس عنده؟. ويقول: " يا أيها الذين آمنوا " (2) و " أقيموا الصلاة " (3). و " لا تأكلوا أموالكم " (4) " ولا تقتلوا أولادكم " (5) " وأوفوا بالعقود " (6).
وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى، لأنه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها، وهو قبيح عليه تعالى، وإن أفاد، فإما لنفسه، أو لغيره، والأول باطل، لأن المخاطب إنما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه، أو يكرره ليحفظه، أو يتعبد به كما يعبد الله بقراءة القرآن. وهذه في حقه تعالى محال لتنزهه عنها. والثاني باطل، لأن إفادة الغير إنما تصح لو خاطب غيره ليفهمه مراده، أو يأمره بفعل، أو ينهاه عن فعل. ولما لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه...
كان كلامه سفها وعبثا. وأيضا يلزمه الكذب في إخباره تعالى، لأنه لو قال في الأزل: " إنا أرسلنا نوحا " (7)، " إنا أوحينا إلى إبراهيم " (8)، و " لقد أهلكنا القرون " (9) و " ضربنا لكم الأمثال " (10)، مع أن هذه إخبارات عن الماضي، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب تعالى الله عنه. وأيضا قال الله تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون " (11) فهو إخبار عن المستقبل، فيكون حادثا.