ذلك: أن ذلك التسليم والتعبد والانقياد لا يتنافى مع هذا الفكر، والعقل والفهم، والإدراك الوجداني. وإنما هو ملازم له، وبحاجة إليه في نظر الاسلام.
فالاسلام لا يريد لهذا الانسان ان يعيش حالة الكبت والقهر، وسلب الاختيار ثم الجمود، ليكون - من ثم - آلة بلهاء، لا حياة فيها، ولا حركة.
وإنما يريده حرا، مختارا طليقا، يزخر بالحيوية، ويجيش بالحركة، والتطلع والتوثب، يتفاعل مع ما يحيط به، ويعي ما يدور حوله، ويفهمه، ويعيشه، بروحه، وعقله، وبوجدانه، وعاطفته، وبكل وجوده.
وذلك من أجل أن يجد السبيل إلى أن يتكامل به ومعه، ويستوعب خصائصه الانسانية ولينسجم - من ثم - مع نفسه، وفكره، ومع وجدانه وفطرته.
والاسلام يرى في الفكر والعقل، وفي الفطرة أيضا خير نصير ومعين له، في مجال تحقيق أهدافه، حيث إن ذلك يسهم في تجلي عظمته، ويظهر مزاياه الفريدة، وخصائصه الكريمة والمجيدة.
وقد اهتم القرآن والحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن المعصومين من أهل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كثيرا في التركيز على الدور الطليعي والرائد، للعقل وللفكر، وللنظر وللتدبر، وذم التقليد والانقياد الأعمى، ولا نرى حاجة لا يراد الشواهد.
على ذلك، فإن ذلك أظهر من النار على المنار، وأجلى من الشمس في رابعة النهار.
والعبارة المتقدمة عنه (صلى الله عليه وآله) ليس إلا واحدا من الشواهد الكثيرة على اهتمام النبي (ص) بإثارة دفائن العقول، وتحريكها نحو الفهم والفكر، والتعقل والتدبر، ليصبح التعبد مرتكزا على أساسه القوي المتين، ومستندا إلى ركنه الشديد الوثيق.