الأقل، حينما يأخذ العجب والغرور، والاحساس بالتميز بالنسبة لغيره من إخوانه وأقرانه - وأقل ما يقال في ذلك: أنه من الأدواء الخطيرة والمرعبة، ولا أخطر من ذلك ولا أدهى.
وإنما اتخذت تلك المكافأة وذلك التكريم، منحى أكثر واقعية، وأعظم نفعا، وابعد عن مزالق الخطر، ومخاطر الأدواء، حيث ألبسها قميصه لتكسى من حلل الجنة، واضطجع في قبرها لتهون عليها ضغطة القبر.
وهذا في الحقيقة هو محض الخير، ومنتهى الاحسان، وغاية النعمة حيث تحس به الروح الانسانية احساسا حقيقيا وواقعيا، وعميقا، حينما يمكن للروح أن تتلقاه عن طريق العقل بكل ماله من شفافية وطهر وصفاء.
لم يتكدر صفاؤه، ولا تأثر طهره بأعراض الحياة الدنيا وزخارفها، ولا خفف من درجة الاحساس به حجب الشهوات ولاهواء، ولا الانصراف ولا الانشغال بشواغل وصوارف اللهو واللعب. كما قال تعالى:
* (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، وزينة وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غبث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة...) * (1).
وما ذلك إلا لان الدار الآخرة هي التي يتاح للانسان فيها: أن يعيشها بكل خصائصه الانسانية، وبكامل قدراته الحياتية، وهي التي يجد الانسان فيها حقيقتها، ويدرك واقعه كإنسان، وكإنسان فقط.
* (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) * (2).