من المسجد وجعل يماشيه ساعة ثم تنفس وزفر زفرة، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! إن ما أخرج هذا النفس والزفير إلا الحزن، فقال: ويحك يا بن عباس!
إن نفسي لتحدثني باقتراب أجلي ولست أحذر الموت لأنه سبيل لابد منه، ولكني مغموم لهذا الامر الذي أنا فيه، لا أدري أقوم فيه أم أقعد، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! فأين أنت عن صاحبنا علي بن أبي طالب في هجرته وقرابته وقدمه وسابقته وفضيلته وشجاعته؟ فقال عمر: والله يا بن عباس وإنه لكما تقول! ولو أنه ولي هذا الامر من بعدي فحملكم والله على طريقة من الحق تعرفونها ولكنه رجل به دعابة وهو حريص على هذا الامر، ولا يصلح هذا الامر لمن حرص عليه، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! فعثمان بن عفان؟ فقال عمر: هو أهل لذلك لشرفه وفضله ولكني أتقي عليه أن يحمل آل معيط على رقاب الناس فيقتل، ولو وليته لفعل ولو فعل لفعلوا، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! فطلحة بن عبيد الله؟ فقال: هيهات يا بن عباس! ما كان الله تبارك وتعالى ليوليه شيئا من أمر هذه الأمة مع ما يعلم من تيهه وزهوه. عجبه بنفسه، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! فالزبير بن العوام؟ قال:
فارس بطل ومعه ضيق وجشع يظل يومه بالبقيع يصال على الصاع والمد يخاصم في قفيز من حنطة أو من شعير ولا يصلح هذا الامر إلا للسخي من غير تبذير، الممسك من غير إقتار، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! فسعد بن أبي وقاص؟ فقال: سعد صاحب مقنب يقاتل عليه وأما والي أمر فلا، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين!
فعبد الرحمن بن عوف؟ فقال: نعم الرجل ذكرت يا بن عباس! رجل مسلم غير أنه ضعيف وأمره في يد امرأته، ولا يصلح هذا الامر إلا لقوي في غير عنف، واللين في غير ضعف، الممسك في غير بخل، الجواد في غير سرف، ثم قال: يا بن عباس! لو كان معاذ بن جبل حيا لما تخالفتني فيه الأمور لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن معاذا لامة يجيء يوم القيامة وبينه وبين العلماء نبذة ليس بينه وبين الله عز وجل إلا النبيون والمرسلون، ولو أن سالما مولى أبي حذيفة كان حيا لما شككت فيه لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [إن] سالما رجل أحب الله عز وجل حبا وخافه خوفا لم يحب معه سواه، ولو أن أبا عبيدة بن الجراح حيا لكان أهلا لهذا الامر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
قال: ثم دخل عمر إلى منزله وأرسل إلى وجوه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) فأحضرهم، ثم أرسل إلى جاثليق النصارى فدعاه، فلما دخل عليه