فلما سلم وثب الناس يتعدون خلف أبي لؤلؤة وهم يقولون: خذوه فقد قتل أمير المؤمنين! فكان كلما لحقه رجل من المسلمين ليأخذه وجأه أبو لؤلؤة بالخنجر حتى جرح من المسلمين ثلاثة عشر رجلا (١)، مات منهم ستة نفر، قال: ولحقه رجل من ورائه فألقى على رأسه برنسا فأخذه، فلما علم أبو لؤلؤة أنه قد أخذ وجأ نفسه وجأة فقتل نفسه.
قال: واحتمل عمر رضي الله عنه إلى منزله وهو لما به، قال: واجتمع إليه الناس فقال عمر: أبو لؤلؤة قتلني أم غيره؟ فقالوا: أبو لؤلؤة يا أمير المؤمنين!
فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل مسلم (٢) فأريد أن أخاصم يوم القيامة ذا سجدتين.
قال: ثم أغمي عليه ساعة حتى فاتته صلاة الظهر، فأيقظوه وقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين! فقال عمر رضي الله عنه: نعم لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة لكني على ما ترون. قال: ثم صلى عمر، ودعي له بالطبيب (٣) فسقاه نبيذا (٤) حلوا من نبيذة فخرج النبيذ من جراحته فلم يدر أنبيذ هو أم دم، فدعي له بطبيب من الأنصار من بني معاوية فسقاه لبنا فإذا اللبن قد خرج من جراحته أبيض، فقال له الطبيب: أوص يا أمير المؤمنين فإنك ميت، فقال عمر رضي الله عنه: صدقتني أخا الأنصار عن نفسي، ثم استعبر باكيا فقال له ابن عباس: لا تبك يا أمير المؤمنين لا أبكى الله عينك وأبشر بالخير كله، فوالله لقد كان إسلامك عزا وهجرتك فتحا وخلافتك رحمة، ولقد أسلمت حين كفر الناس، ونصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وأنت من الذين أنزل الله تبارك وتعالى فيهم ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة﴾ (5) وأنت من الذين أنزل الله في حقهم (للفقراء المهجرين