الموفق، وابتنى الموفق مدينة تجاه مدينة صاحب الزنج سماها الموفقية، وأمر بحمل الأمتعة والتجارات إليها، فاجتمع بها من أنواع الأشياء وصنوفها ما لم يجتمع في بلد قبلها، وعظم شأنها وامتلأت من المعايش والأرزاق وصنوف التجارات والسكان والدواب وغيرهم، وإنما بناها ليستعين بها على قتال صاحب الزنج، ثم جرت بينهم حروب عظيمة، وما زالت الحرب ناشبة حتى انسلخت هذه السنة وهم محاصرون للخبيث صاحب الزنج، وقد تحول منهم خلق كثير فصاروا على صاحب الزنج بعد ما كانوا معه، وبلغ عدد من تحول قريبا من خمسين ألفا من الأمراء الخواص والأجناد، والموفق وأصحابه في زيادة وقوة ونصر وظفر. وفيها حج بالناس هارون بن محمد الهاشمي.
وفيها توفي من الأعيان إسماعيل بن سيبويه (1). وإسحاق بن إبراهيم بن شاذان (2)، ويحيى بن نصر الخولاني (3)، وعباس البرقفي (4)، ومحمد بن حماد بن بكر بن حماد أبو بكر المقري صاحب خلف بن هشام البزار ببغداد في ربيع الأول ومحمد بن عزيز الأيلي (5)، ويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي حبكان (6)، ويونس بن حبيب راوي مسند أبي داود الطيالسي عنه.
ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائتين في المحرم منها استأمن جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان - وكان من أكابر صاحب الزنج وثقاتهم في أنفسهم - الموفق فأمنه وفرح به وخلع عليه وأمره فركب في سمرته فوقف تجاه قصر الملك فنادى في الناس وأعلمهم بكذب صاحب الزنج وفجوره، وأنه في غرور هو ومن اتبعه، فاستأمن بسبب ذلك بشر كثير منهم، وبرد قتال الزنج عند ذلك إلى ربيع الآخر. فعند ذلك أمر الموفق أصحابه بمحاصرة السور، وأمرهم إذا دخلوه أن لا يدخلوا البلد حتى يأمرهم، فنقبوا السور حتى انثلم ثم عجلوا الدخول فدخلوا فقاتلهم الزنج فهزمهم المسلمون وتقدموا إلى وسط المدينة، فجاءتهم الزنج من كل جانب وخرجت عليهم الكمائن من أماكن لا يهتدون لها، فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا واستلبوهم وفر الباقون فلامهم الموفق على مخالفته وعلى العجلة، وأجرى الأرزاق على ذرية من قتل .