بالكتاب من عند طولون وهو لا يدري ما فيه، فاجتاز بطريقه بتلك الحظية فاستدعته إليها فقال: إني مشغول بهذا الكتاب لأوصله إلى بعض الأمراء. قالت: هلم فلي إليه حاجة - وأرادت أن تحقق في ذهن الملك طولون ما قالت له عنه فحبسته عندها ليكتب لها كتابا، ثم استوهبت من أحمد الكتاب الذي أمره طولون أن يوصله إلى ذلك الأمير، فدفعه إليها فأرسلت به ذلك الخادم الذي وجده معها على الفاحشة وظنت أن به جائزة تريد أن تخص بها الخادم المذكور فذهب بالكتاب إلى ذلك الأمير، فلما قرأه أمر بضرب عنق ذلك الخادم وأرسل برأسه إلى الملك طولون. فتعجب الملك من ذلك وقال: أين أحمد؟ فطلب له فقال: ويحك أخبرني كيف صنعت منذ خرجت من عندي؟ فأخبره بما جرى من الامر. ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتي به إلى طولون أسقط في يديها وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال، فقامت إليه تعتذر وتستغفر مما وقع منها مع الخادم، واعترفت بالحق وبرأت أحمد مما نسبته إليه، فحظي عند الملك طولون وأوصى له بالملك من بعده.
ثم ولي نيابة الديار المصرية للمعتز فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، فأحسن إلى أهلها وأنفق فيهم من بيت المال ومن الصدقات، واستغل الديار المصرية في بعض السنين أربعة آلاف ألف دينار، وبنى بها الجامع، غرم عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وفرغ منه في سنة سبع وخمسين، وقيل في سنة ست وستين ومائتين، وكانت له مائدة في كل يوم يحضرها الخاص والعام، وكان يتصدق من خالص ماله في كل شهر بألف دينار. وقد قال له وكيله يوما: إنه تأتيني المرأة وعليها الإزار والبدلة ولها الهيئة الحسنة تسألني فأعطيها؟ فقال: من مد يده إليك فأعطه، وكان من أحفظ الناس للقرآن، ومن أطيبهم به صوتا. وقد حكى ابن خلكان عنه أنه قتل صبرا نحوا من ثمانية عشر ألف نفس، فالله أعلم. وبنى المارستان غرم عليه ستين ألف دينار، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا، وكانت له صدقات كثيرة جدا، وإحسان زائد ثم ملك دمشق بعد أميرها ماخور (1) في سنة أربع وستين ومائتين، فأحسن إلى أهلها أيضا إحسانا بالغا، واتفق أنه وقع بها حريق عند كنيسة مريم فنهض بنفسه إليه ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الحافظ الدمشقي، وكاتبه أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي، فأمر كاتبه أن يخرج من ماله سبعين ألف دينار تصرف إلى أهل الدور والأموال التي أحرقت. فصرف إليهم جميع قيمة ما ذكره وبقي أربعة عشر ألف دينار فاضلة عن ذلك، فأمر بها أن توزع عليهم على قدر حصصهم، ثم أمر بمال عظيم يفرق على فقراء دمشق وغوطتها، فأقل ما حصل للفقير دينار. رحمه الله. ثم خرج إلى إنطاكية فحاصر بها صاحبها سيما حتى قتله (2) وأخذ البلد كما ذكرنا.
توفي بمصر في أوائل ذي القعدة من هذه السنة من علة أصابته من أكل لبن الجواميس كان يحبه .