البلدان التي أمكنته الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ (1). وروى عنه خلائق وأمم. وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال: سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري. وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم من طريقه، وحماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل وطاهر بن مخلد. وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردي النسفي، وقد توفي النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا. وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح، وكان مسلم يتلمذ له ويعظمه، وروى عنه الترمذي في جامعه، والنسائي في سننه في قول بعضهم. وقد دخل بغداد ثمان مرات، وفي كل منها يجتمع بالامام أحمد فيحثه أحمد على المقام بغداد ويلومه على الإقامة بخراسان. وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة. وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال: يا هذه قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك، أو قال بكائك، فأصبح وهو بصير. وقال البخاري: فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت لي مصنفات نحوا من مائتي ألف حديث مسندة. وكان يحفظها كلها. ودخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركبوا أسانيد وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، ثم قرأوها على البخاري فرد كل حديث إلى إسناده، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها، وما تعنتوا عليه فيها، ولم يقدروا أن يعلفوا عليه سقطة في إسناد ولا متن. وكذلك صنع في بغداد وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة. والاخبار عنه في ذلك كثيرة. وقد اثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه. فقال الإمام أحمد: ما أخرجت خراسان مثله. وقال علي بن المديني: لم ير البخاري مثل نفسه. وقال إسحاق بن راهويه: لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه. وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير: ما رأينا مثله. وقال علي بن حجر: لا أعلم مثله. وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي. دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم. وقال أبو العباس الدعولي:
كتب أهل بغداد إلى البخاري:
المسلمون بخير ما حييت لهم * وليس بعدك خير حين تفتقد وقال الفلاس: كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث. وقال أبو نعيم أحمد بن حماد: هو فقيه هذه الأمة. وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي. ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقال قتيبة بن سعيد: رحل إلى من شرق الأرض وغربها .