بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج. وقد ألحد هذا اللعين في المسجد الحرام إلحادا لم يسبقه إليه أحدا ولا يلحقه فيه، وسيجاريه على ذلك الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد. وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أمير هم بالمهدي، وهو أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح. وقد كان صباغا بسلمية، وكان يهوديا فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بلاد إفريقية، فادعى أنه شريف فاطمي، فصدقه على ذلك طائفة كثيرة من البربر وغيرهم من الجهلة، وصارت له دولة، فملك مدينة سجلماسة، ثم ابتنى مدينة وسماها المهدية، وكان قرار ملكه بها، وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه ويدعون إليه، ويترامون عليه، ويقال إنهم إنما كانوا يفعلون ذلك سياسة ودولة لا حقيقة له.
وذكر ابن الأثير أن المهدي هذا كتب إلى أبي طاهر يلومه على ما فعل بمكة حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وانكشفت أسرارهم التي كانوا يبطنونها بما ظهر من صنيعهم هذا القبيح، وأمره برد ما أخذه منها، وعوده إليها. فكتب إليه بالسمع والطاعة، وأنه قد قبل ما أشار إليه من ذلك. وقد أسر بعض أهل الحديث في أيدي القرامطة، فمكث في أيديهم مدة، ثم فرج الله عنه، وكان يحكي عنهم عجائب من قلة عقولهم وعدم دينهم، وأن الذي أسره كان يستخدمه في أشق الخدمة وأشدها وكان يعربد عليه إذا سكر. فقال لي ذات ليلة وهو سكران: ما تقول في محمدكم؟ فقلت: لا أدري.
فقال: كان سائسا. ثم قال: ما تقول في أبي بكر؟ فقلت: لا أدري. فقال: كان ضعيفا مهينا.
وكان عمر فظا غليظا. وكان عثمان جاهلا أحمق. وكان علي ممخرقا ليس كان عنده أحد يعلمه ما ادعى أنه في صدره من العلم، أما كان يمكنه أن يعلم هذا كلمة وهذا كلمة؟. ثم قال: هذا كله مخرقة. فلما كان من الغد قال: لا تخبر بهذا الذي قلت لك أحدا. ذكره ابن الجوزي في منتظمه.
وروي عن بعضهم أنه قال: كنت في المسجد الحرام يوم التروية في مكان الطواف، فحمل على رجل كان إلى جانبي فقتله القرمطي، ثم قال: يا حمير، - ورفع صوته بذلك - أليس قلتم في بيتكم هذا (ومن دخله كان آمنا) [آل عمران: 97] فأين الامن؟ قال: فقلت له: اسمع جوابك. قال: نعم. قلت: إنما أراد الله: فأمنوه. قال فثنى رأسه فرسه وانصرف. وقد سأل بعضهم ههنا سؤالا. فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل - وكانوا نصارى - ما ذكره في كتابه، ولم يفعلوا بمكة شيئا مما فعله هؤلاء، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟ وقد أجيب عن ذلك بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارا لشرف البيت، ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم، من البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها وإرسال الرسول منها أهلكهم سريعا عاجلا، ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه لأنكرت القلوب فضله. وأما هؤلاء