دسته فحكم بين الناس كعادته، وبات ليلته تلك مفكرا في أمره. وأصبح كذلك وهو ينشد:
فأصبح لا يدري وإن كان حازما * أقدامه خير له أم داره؟ (1) ثم جاءه في ذلك اليوم أميران (2) من جهة الخليفة فدخلا عليه داره إلى بين حريمه وأخرجوه مكشوفا رأسه وهو في غاية الذل والصغار، والإهانة والعار، فأركبوه في حراقة إلى الجانب الآخر.
وفهم الناس ذلك فرجموا ابن الفرات بالآجر، وتعطلت الجوامع وخربت العامة المحاريب، ولم يصل الناس الجمعة فيها، وأخذ خط الوزير بألفي (3) ألف دينار، وأخذ خط ابنه بثلاثة آلاف ألف دينار، وسلما إلى نازوك أمير الشرطة، فاعتقلا حينا حتى خلصت منهما الأموال، ثم أرسل الخليفة خلف مؤنس الخادم، فلما قدم سلمهما إليه فأهانهم غاية الإهانة بالضرب والتقريع له ولولده المجرم الذي ليس بمحسن، ثم قتلا بعد ذلك. واستوزر عبد الله بن محمد بن عبيد الله (4) بن محمد بن يحيى بن خاقان أبو القاسم، وذلك في تاسع ربيع الأولى منها. ولما دخل مؤنس بغداد دخل في تجمل عظيم وشفع عند ابن خاقان في أن يرسل إلى علي بن عيسى - وكان قد صار إلى صنعاء اليمن مطرودا - فعاد إلى مكة وبعث إليه الوزير أن ينظر في أمر الشام ومصر، وأمر الخليفة مؤنس الخادم بأن يسير إلى الكوفة لقتال القرامطة، وأنفق على خروجه ألف ألف دينار، وأطلق القرمطي من كان أسره من الحجيج، وكانوا ألفي رجل وخمسمائة امرأة، وأطلق أبا الهيجاء نائب الكوفة معهم أيضا، وكتب إلى الخليفة يسأل منه البصرة والأهواز فلم يجب إلى ذلك، وركب المظفر مؤنس في جحافل إلى بلاد الكوفة فسكن أمرها، ثم أنحدر منها إلى واسط واستناب على الكوفة ياقوت الخادم، فتمهدت الأمور وانصلحت. وفي هذه السنة ظهر رجل بين الكوفة وبغداد فادعى أنه محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وصدقه على ذلك طائفة من الاعراب والطغام، والتفوا عليه وقويت شوكته في شوال، فأرسل إليه الوزير جيشا فقاتلوه فهزموه وقتلوا خلقا من أصحابه، وتفرق بقيتهم. وهذا المدعي المذكور هو رئيس الإسماعيلية وهو أولهم. وظفر نازوك صاحب الشرطة بثلاث من أصحاب الحلاج: وهم حيدرة، والشعراني، وابن منصور، فطالبهم بالرجوع عن اعتقادهم فيه فلم يرجعوا، فضرب رقابهم وصلبهم في الجانب الشرقي. ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل العراق لكثرة خوف الناس من القرامطة.
وفيها توفي من الأعيان..
.