ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين فيها التف على أخي الحسين القرمطي المعروف بذي الشامة الذي قتل في التي قبلها خلائق من القرامطة بطريق الفرات، فعاث بهم في الأرض فسادا، ثم قصد طبرية فامتنعوا منه فدخلها قهرا فقتل بها خلقا كثيرا من الرجال، وأخذ شيئا كثيرا من الأموال، ثم كر راجعا إلى البادية، ودخلت فرقة أخرى منهم إلى هيت فقتلوا أهلها إلا القليل، وأخذوا منها أموالا جزيلة حملوها على ثلاثة آلاف بعير، فبعث إليهم المكتفي جيشا فقاتلوهم وأخذوا رئيسهم فضربت عنقه. ونبغ رجل من القرامطة يقال له الداعية باليمن، فحاصر صنعاء فدخلها قهرا وقتل خلقا من أهلها، ثم سار إلى بقية مدن اليمن فأكثر الفساد وقتل خلقا من العباد، ثم قاتله أهل صنعاء فظفروا به وهزموه، فأغار على بعض مدنها، وبعث الخليفة إليها مظفر بن حجاج نائبا، فسار إليها فلم يزل بها حتى مات. وفي يوم عيد الأضحى دخلت طائفة من القرامطة إلى الكوفة فنادوا يا ثارات الحسين - يعنون المصلوب في التي قبلها ببغداد - وشعارهم: يا أحمد يا محمد - يعنون الذين قتلوا معه - فبادر الناس الدخول من المصلى إلى الكوفة فدخلوا خلفهم فرمتهم العامة بالحجارة فقتلوا منهم نحو العشرين رجلا، ورجع الباقون خاسئين.
وفيها ظهر رجل بمصر يقال له الخليجي (1) فخلع الطاعة واجتمع إليه طائفة من الجند فأمر الخليفة أحمد بن كنغلغ (2) نائب دمشق وأعمالها فركب إليه فاقتتلا بظاهر مصر فهزمه الخليجي هزيمة منكرة، فبعث إليه الخليفة جيشا آخر فهزموا الخليجي وأخذوه فسلم إلى الأمير الخليفة وانطفأ خبره واشتغل الجيش بأمر الديار المصرية، فبعث القرامطة جيشا إلى بصرى صحبة رجل يقال له عبد الله بن سعيد كان يعلم الصبيان، فقصد بصرى وأذرعات والبثنية فحاربه أهلها ثم أمنهم فلما أن تمكن منهم قتل المقاتلة وسبى الذرية، ورام الدخول إلى دمشق فحاربه نائب دمشق أحمد بن كنغلغ (2)، وهو صالح بن الفضل، فهزمه القرمطي وقتل صالح فيمن قتل وحاصر دمشق فلم يمكنه فتحها، فانصرف إلى طبرية فقتلوا أكثر أهلها ونهبوا منها شيئا كثيرا كما ذكرنا، ثم ساروا إلى هيت ففعلوا بها ذلك كما تقدم، ثم ساروا إلى الكوفة في يوم عيد الأضحى كما ذكرنا. كل ذلك بإشارة زكرويه بن مهرويه وهو مختف في بلده بين ظهراني قوم من القرامطة، فإذا جاءه الطلب نزل بئرا قد اتخذها ليختفي فيها وعلى بابه تنور فتقوم امرأة فتسجره وتخبز فيه فلا يشعر به أصلا، ولا يدري أحد أين هو، فبعث الخليفة إليه جيشا فقاتلهم زكرويه بنفسه ومن أطاعه فهزم جيش الخليفة وغنم من أموالهم شيئا كثيرا جدا فتقوى به واشتد أمره، فندب الخليفة إليه جيشا آخر كثيفا فكان من أمره وأمرهم ما سنذكره. وفيها خرب إسماعيل بن أحمد الساماني نائب خراسان وما وراء النهر طائفة كبيرة من بلاد الأتراك. وفيها أغارت .