فصبر له ابن أبقي الساج صبرا عظيما، فسلم وانصرف إلى الموفق ببغداد فأكرمه وخلع عليه واستصحبه معه إلى الجبل، ورجع إسحاق بن كنداج إلى ديار بكر من الجزيرة.
وفيها في شوال منها سجن أبو أحمد الموفق ولده أبا العباس المعتضد في دار الامارة، وكان سبب ذلك أنه أمره بالمسير إلى بعض الوجوه فامتنع أن يسير إلا إلى الشام التي ولاه إياها عمه المعتضد، وأمر بسجنه فثارت الأمراء واختبطت بغداد فركب الموفق إلى بغداد وقال للناس: أتظنون أنكم على ولدي أشفق مني؟ فسكن الناس عند ذلك ثم أفرج عنه. وفيها سار رافع (1) إلى محمد بن زيد العلوي فأخذ منه مدينة جرجان فهرب إلى استراباذ فحصره بها سنين فغلا بها السعر حتى بيع الملح بها وزن درهم بدرهمين، فهرب منها ليلا إلى سارية فأخذ منه رافع بلادا كثيرة بعد ذلك في مدة متطاولة. وفي المحرم منها أو في صفر كانت وفاة المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس عن ست وأربعين سنة. وكانت ولايته سنة وأحد عشر يوما (2)، وكان أسمر طويلا بوجهه أثر جدري، جوادا ممدحا يحب الشعراء ويصلهم بمال كثير، ثم قام بالامر من بعده أخوه محمد فامتلأت بلاد الأندلس في أيامه فتنا وشرا حتى هلك كما سيأتي.
وفيها توفي من الأعيان أبو بكر أحمد بن محمد الحجاج المروزي صاحب الإمام أحمد، كان من الأذكياء، كان أحمد يقدمه على جميع أصحابه ويأنس به ويبعثه في الحاجة ويقول له: قل ما شئت. وهو الذي أغمض الإمام أحمد وكان فيمن غسله، وقد نقل عن أحمد مسائل كثيرة وحصلت له رفعة عظيمة مع أحمد حين طلب إلى سامرا ووصل بخمسين ألفا فلم يقبلها. أحمد بن محمد بن غالب بن خالد بن مرداس أبو عبد الله الباهلي البصري المعروف بغلام خليل، سكن بغداد، روى عن سليمان بن داود الشاذكوني وشيبان بن فروخ وقرة بن حبيب وغيرهم، وعنه ابن السماك وابن مخلد وغيرهما، وقد أنكر عليه أبو حاتم وغيره أحاديث رواها منكرة عن شيوخ مجهولين. قال أبو حاتم: ولم يكن ممن يفتعل الحديث، كان رجلا صالحا. وكذبه أبو داود وغير واحد. وروى ابن عدي عنه أنه اعترف بوضع الحديث ليرقق به قلوب الناس، وكان عابدا زاهدا يقتات الباقلاء الصرف، وحين مات أغلقت أسواق بغداد وحضر الناس جنازته والصلاة عليه ثم جعل في زورق وشيع إلى البصرة فدفن بها في رجب من هذه السنة. وأحمد بن ملاعب، روى عن يحيى بن معين وغيره، وكان ثقة دينا عالما فاضلا، انتشر به كثير من الحديث.
وأبو سعيد الحسن بن الحسين بن عبد الله بن الكبري (3) النحوي اللغوي، صاحب التصانيف. إسحاق بن إبراهيم بن هانئ أبو يعقوب النيسابوري، كان من أخصاء أصحاب الإمام .