المرسلين، فإن الله قامع بك من ألحد في دينه، وضل عن سبيله " وهذا من خذلانه وكثرة هذيانه وفشاره، ولو لزم قافية مدحه النافق بالنفاق، والهجاء بالكذب والشقاق، لكن أشعر الشعراء، وأفصح الفصحاء ولكن أراد بجهله وقلة عقله أن يقول ما يشبه كلام رب العالمين الذي لو اجتمعت الجن والإنس والخلائق أجمعون على أن يأتوا بسورة مثل سورة من أقصر سوره لما استطاعوا. ولما اشتهر خبره بأرض السماوة وأنه قد التف عليه جماعة من أهل الغباوة، خرج إليه نائب حمص من جهة بني الاخشيد وهو الأمير لؤلؤ بيض الله وجهه، فقاتله وشرد شمله، وأسر مذموما مدحورا، وسجن دهرا طويلا، فمرض في السجن وأشرف على التلف، فاستحضره واستتابه وكتب عليه كتابا اعترف فيه ببطلان ما ادعاه من النبوة، وأنه قد تاب من ذلك ورجع إلى دين الاسلام، فأطلق الأمير سراحه فكان بعد ذلك إذا ذكر له هذا يجحده إن أمكنه وإلا اعتذر منه واستحيا، وقد اشتهر بلفظة تدل على كذبه فيما كان ادعاه من الإفك والبهتان، وهي لفظة المتنبي، الدالة على الكذب ولله الحمد والمنة وقد قال بعضهم يهجوه:
أي فضل لشاعر يطلب ال * فضل من الناس بكرة وعشيا عاش حينا يبيع في الكوفة الماء * وحينا يبيع ماء المحيا وللمتنبي ديوان شعر مشهور، فيه أشعار رائقة ومعان ليست بمسبوقة، بل مبتكرة شائقة.
وهو في الشعراء المحدثين كامرئ القيس في المتقدمين، وهو عندي كما ذكر من له خبرة بهذه الأشياء مع تقدم أمره. وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي في منتظمه قطعا رائقة استحسنها من شعره، وكذلك الحافظ ابن عساكر شيخ إقليمه، فمما استحسنه ابن الجوزي قوله:
عزيزا سبى من داؤه الحدق النجل * عياء به مات المحبون من قبل فمن شاء فلينظر إلى فمنظري * نذير إلى من ظن أن الهوى سهل جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي * فأصبح لي عن كل شغل بها شغل ومن جسدي لم يترك السقم شعرة * فما فوقها إلا وفا له فعل كأن رقيبا منك سد مسامعي * عن العذل حتى ليس يدخلها العذل كأن سهاد الليل يعشق مقلتي * فبينهما في كل هجر لنا وصل ومن ذلك قوله:
كشفت ثلاث ذوائب من شعرها * في ليلة فأرت ليالي أربعا واستقبلت قمر السماء بوجهها * فأرتني القمرين في وقت معا ومن ذلك قوله: