فلا ترجع حتى تستبيح أرضه وتهدم قلاعه وتقتل مقاتلته وتسبى ذريته فخرج بمن معه من المسلمين من أهل الكوفة وأهل البصرة وكان على أهل الكوفة شريح بن هانئ الحارثي ثم الضبابي وكان من أصحاب على وكان عبيد الله على أهل البصرة وهو أمير الجماعة فمضى حتى وغل في بلاد رتبيل فأصاب من البقر والغنم والأموال ما شاء وهدم قلاعا وحصونا وغلب على أرض من أرضهم كثيرة وأصحاب رتبيل من الترك يخلون لهم عن أرض بعد أرض حتى أمعنوا في بلادهم ودنوا من مدينتهم وكانوا منها على ثمانية عشر فرسخا فأخذوا على المسلمين العقاب والشعاب وخلوهم والرساتيق فسقط في أيدي المسلمين وظنوا أن قد هلكوا فبعث ابن أبي بكرة إلى شريح بن هانئ إني مصالح القوم على أن أعطيهم مالا ويخلوا بيني وبين الخروج فأرسل إليهم فصالحهم على سبعمائة ألف درهم فلقيه شريح فقال إنك لا تصالح على شئ إلا حسبه السلطان عليكم في أعطياتكم قال لو منعنا العطاء ما حيينا كان أهون علينا من هلاكنا قال شريح والله لقد بلغت سنا وقد هلكت لذاتي ما تأتى على ساعة من ليل أو نهار فأظنها تمضى حتى أموت ولقد كنت أطلب الشهادة مند زمان ولئن فاتتني اليوم ما أخالني مدركها حتى أموت وقال يا أهل الاسلام تعاونوا على عدوكم فقال له ابن أبي بكرة إنك شيخ قد خرفت فقال شريح إنما حسبك أن يقال بستان ابن أبي بكرة وحمام ابن أبي بكرة يا أهل الاسلام من أراد منكم الشهادة فإلى فاتبعه ناس من المتطوعة غير كثير وفرسان الناس وأهل الحفاظ فقاتلوا حتى أصيبوا إلا قليلا فجعل شريح يرتجز يومئذ ويقول:
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا * قد عشت بين المشركين أعصرا ثمت أدركت النبي المنذرا * وبعده صديقه وعمرا ويوم مهران ويوم تسترا * والجمع في صفينهم والنهرا وبا جميرات مع المشقرا * هيهات ما أطول هذا عمرا فقاتل حتى قتل في ناس من أصحابه ونجا من نجا فخرجوا من بلاد رتبيل حتى خرجوا منها فاستقبلهم من خرجوا إليهم من المسلمين بالأطعمة فإذا أكل أحدهم