الفصل الثالث: في الاستحالة والمراد منها تبدل الحقيقة عرفا، والمناط في تبدلها تبدل الاسم، بحيث يصح سلب الاسم الأول عنه، كما أشار إليه الإمام في موثقة عبيد بن زرارة الآتية (1)، فكلما تبدل اسمه كذلك ينكشف تبدل حقيقته ويختلف حكمه.
وأما القول بعلم كفاية تبدل الاسم، لأجل، أنه لا يتفاوت الحكم الثابت للحنطة بعد صيرورتها دقيقا، ولا للدقيق بعد صيرورته عجينا، ولا للعجين بعد صيرورته خبزا، وكذا في القطن والغزل والثوب، وجعل المناط تبدل الحقيقة، والكاشف عنه تبدل الآثار والخواص (2)..
فمردود بأنه لو كان كذلك، لزم تطهر اللبن النجس بصيرورته جبنا أو إقطا، ضرورة تبدل الخواص فيهما، ولا يلزم ذلك على ما ذكرنا.
وأما مثال الحنطة والقطن فنمنع ثبوت الحكم وعدم اختلافه لو ثبت، فإنه لو قال الشارع: لا تسكن البيت ما دام فيه الحنطة، فلا يحرم السكون بعد تبدلها دقيقا. وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام عنده القطن، لا يجب عليه الصيام بعد تبدله غزلا أو ثوبا. وكذا لو قال: اغسل ثوبك من ملاقاة الحنطة أو القطن، فيحكم لأجله بنجاستهما ما داما حنطة وقطنا.
وأما ما ترى من استصحاب نجاسة الحنطة المتنجسة بعد صيرورتها دقيقا وكذا في القطن واللبن، فإنما هو لعدم كون النجاسة معلقة على هذا الاسم شرعا، فإن الشارع لم يقل: إن الحنطة نجسة، ولا: إن الحنطة الملاقية للنجاسة نجسة، إنما هي جزئي من جزئيات المحكوم عليه، لا لكونه حنطة، بل لأنه جسم ملاق للنجاسة، فمناط الجزئية أيضا هذا الملاقي، ولو كان الشارع يقول: الحنطة