ضرر في الدين لما أخلانا الله عز وجل من توقيف عليه، فوجب أن (1) لنا الإقدام عليه (2) كما جاز لإقدام على الانتفاع بملك الغير فيما لا ضرر عليه فيه، وأما الانتفاع بملك الغير فيما بيننا فإنما كان ممنوعا لأجل الضرر الذي يدخل به عليه، ولأنه (3) يحتاج إليه، كما احتجنا نحن إليه، فلم يكن لنا أن ننفع أنفسنا بضرر غيرنا، من غير أن نوصله (4) به نفع أعظم منه، إلا أن يبيحه لي (مالكه) (5) ومالك الأعواض كلها، وهو الله سبحانه وتعالى.
فإن قال قائل: الفرق بين ما ذكرته (6) وبين الأشياء التي ذكرنا: (7) أن في الإقدام على الأكل والشرب إتلاف ملك الغير، وليس في الاستظلال بظل حائط الإنسان والقعود في ضوء سراجة إتلاف شئ عليه.
قيل له: إتلافه إياها لم يخرجها من ملك مالكها (لأن الله تعالى مالك لها) (8) قبل الإتلاف وبعده، إذ كان قادرا على إعادتها إلى ما كانت، فلم يخرج بالإتلاف عن ملكه كما لم يخرج الحائط والسراج عن ملك مالكه بانتفاع غيره به في الوجوه (9) التي ذكرنا. (10) وأيضا: فإنه لا فرق بينهما من الوجه الذي ذكرنا، لأن المعنى كان في إباحة الانتفاع بظل حائطه والقعود في ضوء سراجة، هو: أنه لا ضرر على مالكه فيه، ولهذا فيه نفع. فهذا المعنى موجود فيما وصفنا من هذه الأشياء من حيث كان له فها نفع من غير ضرر على مالكها، فوجب أن يكون (حكمها حكم) (11) ما وصفنا، وأن يمنع اختلافهما من جهة:
أن في أحدهما إتلافا، وليس في الآخر مثله، من الجمع بينهما من لوجه الذي ذكرنا.