مخالفته، لأن ما كان طريقه الاجتهاد فكل من أداء اجتهاده إلى شئ لزمه القول (1) به، وجاز له مخالفة غيره فيه، وفي اتفاق جميع المسلمين على وجوب التسليم له فيما قاله وفعله دلالة على أنه لا يقول إلا وحيا وتنزيلا.
قيل له: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أنا قد علمنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا من طريق الاجتهاد فأغفل موضع الصواب نبهه الله عليه بوحي من عنده، وغير جائز أن يخليه (2) موضع إغفاله، كما قال تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (3) وكقوله تعالى: (عبس وتولى) (4) فإذا كان هذا (5) سبيله فغير جائز لأحد مخالفته.
والوجه الثاني: أن هذا القائل يوافقنا: على أن الإجماع قد يكون من طريق الاجتهاد، وقد يثبت عندنا ذلك أيضا بالدلائل الصحيحة، ثم إذا (6) انعقد إجماع أهل العصر من طريق الاجتهاد لم يجز لمن بعدهم أن يخالفهم، كذلك النبي عليه السلام يقول من طريق الاجتهاد ويكون لاجتهاده مزية لا يحق من أجلها لغيره أن يخالفه، فأما قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فإن فيه جوابين:
أحدهما: أنه أراد القرآن نفسه، لأنه قال تعالى: (والنجم إذا هوى) (7) قبل في التفسير معناه القرآن إذا تزل.
والوجه الثاني: أن الاجتهاد لما كان مصدره عن الوحي لأن الله قد أمر به، فدل عليه - جاز أن يقال: إن ما أداه (8) إليه اجتهاد فهو عن وحي، لأنه قد أوحى إليه باستعمال الاجتهاد.