وأما حفظه لما كان سمعه حتى لا ينسى منه شيئا، فإنه لو كان كذلك لكانت هذه فضيلة له قد اختص بها، وفاز بحظها من سائر الصحابة، ولو كانت هذه حاله لعرفوا ذلك له، واشتهر عندهم أمره، حتى كان لا يخفي على أحد منهم منزلته، ولرجعت الصحابة إليه في روايته، ولقدموها على روايات غيره، لامتناع جواز النسيان عليه، وجوازه على غيره، ولكان هذا التشريف والتفضيل الذي اختص به متوارثا في أعقابه، كما (خص جعفر بأن له جناحين في الجنة) وخص (حنظلة بأن الملائكة غسلته).
فلما وجدنا أمره عند الصحابة بضد ذلك، لأنهم أنكروا كثرة روايته: علمنا: أن ما روى: في أنه لا ينسى شيئا سمعه - غلط. وكيف يكون كذلك وقد روى عنه حديث رواه عن النبي عليه السلام وهو قوله فيما أخبر ((لا عدوى ولا طيرة) (1) ثم روى (لا يوردن) (2) ممرض على مصح. (3) فقيل له: قد رويت لنا عن النبي عليه السلام قبل ذلك (لا عدوى ولا طيرة).
فقال: ما رويته.
ولا يشك أهل المعرفة: أن ذلك مما قد نسيه أبو هريرة، لأن الروايتين جميعا صحيحات عنه، وعلى أنه لو صح الحديث الذي فيه: أنه بسط رداءه، ثم لم ينس شيئا، كان محمولا على ما سمعه في ذلك المجلس خاصة، دون غيره، والذي لا يشك فيه أحد من أهل العلم: أن أبا هريرة ليس في رتبة عبد الله بن مسعود: في الفقه، والدراية، والإتقان، وقرب المحل من النبي عليه السلام.