منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٨٠
محل الكلام الدقيق بين الأعلام فلا يمكن أن يكون العمل العرفي مستندا إليها وأن كانت جارية في نفسها وثانيا: إن المورد ليس من موارد الأصل الأزلي فإن مورده ما إذا كان هناك عام يخصص بعنوان وجودي فيكون موضوع الحكم في العام مركبا من عنوان العام وعدم الخاص فاضا جرت أصالة عدم الخاص يلتئم الموضوع بثبوت جزئية أحدهما بالوجدان والاخر بالأصل. وليس ما نحن فيه كذلك، فان آية وجوب الغض لا تتكفل في نفسها حرمة النظر إلى كل امرأة بحيث يكون خروج المحارم بالتخصيص. ولذا لم يتوقف أحد من المسلمين عند نزول الآية عن النظر إلى أمه وأخته حتى يرد المخصص، وليس ذلك إلا أن المنظور بدوا في الآية الكريمة إلى الأجانب رأسا، فلدينا موضوعان:
أحدهما، موضوع حرمة النظر، والاخر، موضوع الجواز.
ونفي أحدهما بالأصل بلا يستلزم إثبات الاخر على القول بالأصل المثبت. فالأصل الأزلي لا يجدي في إثبات موضوع الحرمة، فتدبر.
ثم إن هذا القائل وإن التزم هنا بجريان أصالة الملاقاة إلى زمان الكرية أو في زمان القلة، لكنه أنكره في مباحثه الفقهية حين تعرض لمسألة اختلاف المتبايعين في تأخر الفسخ عن زمان الخيار عدم تأخره، فان الشيخ (ره) ذكر أن في تقديم مدعى التأخير لأصالة بقاء العقد وعدم حدوث الفسخ في أول الزمان، أو مدعى عدمه لأصالة الصحة، وجهين.
وقد ذكر القائل: أن هذه المسالة سيالة في كل مورد كان موضوع الحكم أو متعلقه مركبا من جزءين وعلمنا بتحقق أحدهما ثم يتحقق الاخر مع ارتفاع الجزء الأول، ولكن لم يعلم المتقدم منهما على الاخر.
كما لو شك في أن الفسخ وقع قبل انقضاء زمن الخيار أو بعده. أو شك في أن ملاقاة النجاسة للماء المسبوق بالقلة هل وقع قبل عروض الكرية أو بعده، أو شك المصلي المسبوق بالطهارة وعلم بصدور حدث منه في أن صلاته وقعت قبل الحدث أو بعده.
والذي بنى عليه في تحقيق هذه المسالة: أنه تجري أصالة بقاء الخيار إلى زمان الفسخ فيتم بها موضوع الحكم، وهو الفسخ الثابت بالوجدان وبقاء الخيار المحرز بالاستصحاب. لان الموضوع مركب منهما، واعتبر تقارنهما في الوجود لا أزيد. ولا يعارض هذا الأصل بأصالة عدم تحقق الفسخ في زمان الخيار، لان الفسخ قد تحقق خارجا في زمان حكم الشارع بكونه زمن الخيار، فلا شك لنا في تحققه في ذلك الزمان ليحكم بعدمه، فأصالة بقاء الخيار إلى زمان الفسخ ترفع الشك في تحقق موضوع الحكم فلا مجال لاجراء أصالة عدم الفسخ في زمن الخيار. وإلا لجرى هذا الأصل في صورة الجهل بانقضاء زمن الخيار، لا في تقدمه وتأخره عن الفسخ. فمثلا لو شك في بقاء الخيار وارتفاعه جرى استصحاب بقائه وبعد ذلك لو فسخ ذو الخيار الانفساخ، مع أنه لو تم ما تقدم من المعارضة لجرى في هذه الصورة استصحاب عدم تحقق الفسخ في زمن الخيار، وهو مما لا يلتزم به.
والكلام بعينه يجري في سائر الموارد. ففي مورد الشك في تقدم الكرية على الملاقاة تجري أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة ويترتب عليها الحكم بالنجاسة، ولا تعارض بأصالة عدم الملاقاة في زمان القلة، وإلا جرت المعارضة مع الشك في أصل عروض الكرية.
كما أنه في مورد الشك في تقدم الحدث على الصلاة تجري أصالة الطهارة إلى زمن الصلاة ويترتب عليها صحة الصلاة، ولا تعارض بأصالة عدم الصلاة في زمن الطهارة، وإلا جرت المعارضة مع الشك في أصل عروض الحدث.
هذا ما ذكره " حفظه الله تعالى " مما يرتبط بما نحن فيه. والذي يظهر منه أنه نفى الاستصحاب الجاري لنفي الموضوع ومعارضته للاستصحاب في إثباته لوجهين:
أحدهما: حلي، وهو زوال الشك بجريان الأصل في إثبات جزء الموضوع مع إحراز الجزء الاخر بالوجدان.
والاخر: نقضي، وهو النقض بصورة الشك في أصل بقاء أحد جزئي الموضوع لا في تقدمه وتأخره كما هو مورد الكلام، ولكن كلا الوجهين مردودان.
أما الأول: فلان زوال الشك المانع من جريان الاستصحاب إما أن يكون تكوينا ووجدانا وإما أن يكون تعبدا، ولا زوال للشك تكوينا، إذ الشك في تحقق الموضوع موجود بالوجدان حتى بعد جريان الاستصحاب كما لا زوال له تعبدا، إذ زوال الشك تعبدا إنما يتحقق فيما كان مجرى الاستصحاب موضوعا شرعيا للمشكوك، فالاستصحاب نفيا أو إثباتا يتكفل التعبد بزوال الشك في الحكم، وليس الامر فيما نحن فيه كذلك، فان الشك في تحقق الجزء الاخر للموضوع وهو الفسخ في زمن الخيار مثلا، ليس مسببا شرعا عن الشك في الجزء الاخر وهو الخيار في زمن الفسخ، فلا يكون الاستصحاب في أحدهما رافعا للشك في الاخر تعبدا.
وإلا لأمكن أن نعكس الكلام فنقول إن أصالة عدم الفسخ في زمن الخيار ترفع الشك في تحقق الموضوع، فلا تعارض بأصالة بقاء الخيار في زمن الفسخ.
وبالجملة: لا سببية ومسببية شرعية بين الشكين (بل لا سببية بينهما أصلا) كما لا يخفى.
وأما الثاني: فلان الفرق بين موارد النقوض التي ذكرها وبين ما نحن فيه موجود، وذلك لأنه فيما نحن فيه يعلم بتحقق كلا جزأي الموضوع بذاتهما كالفسخ والخيار، لكن يشك في تقارنهما أو ارتفاع أحدهما قبل حصول الاخر. فكما يمكن إجراء أصالة بقاء الخيار في زمن الفسخ فيتم الموضوع، كذلك يمكن أن يجري أصالة عدم الفسخ في زمن الخيار فينفي الموضوع بنفي أحد جزئيه.
وبعبارة أخرى: إن الشك في ارتفاع الخيار قبل حصول الفسخ يلازم الشك في تحقق الفسخ في زمن الخيار فلدينا شكان ولا مانع من جريان الاستصحاب فيهما، فيتحقق التعارض.
وهذا بخلاف موارد النقض، فان المشكوك فيها أصل تحقق الجزء الاخر مع إحراز أحدهما وتاريخه كالشك في الخيار مع إحراز الفسخ وتاريخه، فمع استصحاب الخيار يثبت كلا الجزءين ويترتب الأثر، ولا معنى لاستصحاب عدم الفسخ في زمن الخيار، لان الفسخ يعلم تحققه في زمن الخيار التعبدي وهو يكفي في ترتب الأثر. والخيار الواقعي لا يعلم بثبوته كي يستصحب عدم الفسخ في زمانه. فمرجع الاستصحاب المزبور إلى استصحاب عدم المجموع، وقد تقدم أنه مع استصحاب الجزء لا مجال لاستصحاب عدم المجموع المركب، لان المركب الموضوع للأثر هو عين الاجزاء وليس شيئا وراءها، والمفروض أنه لا شك لدينا سوى الشك في الجزء الذي يجري الاستصحاب فيه، فلا مجال لاستصحاب عدم المركب، وهكذا الكلام في سائر موارد النقض.
فخلاصة الفرق بين ما نحن فيه وبين موارد النقض، أن الاستصحاب النافي فيما نحن فيه الذي يفرض معارضته للاستصحاب المثبت يجري في نفي الجزء في زمان الجزء الاخر، وأما في موارد النقض فخلاصة الفرق بين ما نحن وبين موارد النقض، أن الاستصحاب النافي فيما نحن فيه الذي يفرض معارضته للاستصحاب المثبت يجري في نفي الجزء في زمان الجزء الاخر، وأما في موارد النقض فهو يجري في نفي المجموع المركب، وفرق واضح بينهما من ناحية المعارضة وعدمها، إذ في ما نحن فيه لدينا شكان وفي موارد نفي المجموع لدينا شك واحد هو مورد الأثر وهو الشك في وجود الجزء الذي يجري فيه الأصل المثبت لا النافي، فتدبر ولا تغفل.