منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٩٣

" بل يجب تحصيل اليقين بموته... " فإنه لا معنى له لو كان الملحوظ في جريان الاستصحاب حدوث التكليف بوجوب تحصيل اليقين لأنه هو الأثر المقصود بالاستصحاب فلا معنى لنفي الأصل وتعليله بلزوم تحصيل اليقين كما لا يخفى. ويدل عليه أيضا ما ذكره بعد ذلك من الاكتفاء بالاستصحاب إذا كان المورد من الموارد التي يكتفى فيها بالظن وكان الاستصحاب من باب الظن.
وعليه فلا وجه لما ارتكبه المحقق الأصفهاني من حمل كلامه على نظره إلى ثبوت التكليف، فتدبر.
نعم قوله: " فلا يستصحب لاجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه " ظاهر في كون النظر إلى مرحلة الثبوت لكن بعد صراحة ما بعده فيما ذكرناه لا بد من الالتزام بان مراده من هذه العبارة " لاجل ترتيب أثر لزوم المعرفة " فلا تنافي ما بعدها.
الثالثة: قد عرفت الإشارة إلى أن الشك في الاعتقاديات من حيث الحكم مجرد فرض لا واقع له.
ولكن ذكر المحقق الأصفهاني أنه يتم في طرف الوجود لا في طرف العدم. كما لو شك في حدوث تكليف اعتقادي بشأن من شؤون المحشر، فينفي بالاستصحاب لعدم ثبوته قبل الشريعة أو في أوائلها.
وأنت خبير أن الاستصحاب الذي يختلف الحال فيه وجودا وعدما هو استصحاب نفس التكليف لا عدمه، إذ استصحاب العدم يتفق مع أصالة البراءة فلو لم يجر الاستصحاب لا يختلف الحال من الناحية العملية لجريان البراءة. فما أفاده لو تم علميا فلا أثر له عمليا.
هذا مع ما عرفت من منع الاستصحاب في عدم التكليف تبعا للشيخ (ره)، فانتبه.
الرابعة: ذكر المحقق الأصفهاني (ره) عند تعرضه لما أفاده صاحب الكفاية في المورد الذي يطلب فيه اليقين، وأن الاستصحاب لا ينفع في ذلك، ذكر أن استصحاب الأمور المجعولة شرعا كالإمامة يرجع إلى جعلها بجعل مماثل للواقع واعتبار آخر غير الواقع وليس مجرد الالزام بترتيب الأثر، وعليه فمع جريان الاستصحاب يحصل اليقين بالإمامة الظاهرية المجعولة، فيكون الاستصحاب مجديا إذا فرض أن المعتبر لو تعلق إليه بالإمامة أعم من وجودها والواقعي.
وأما جريان الاستصحاب لاجل لزوم تحصيل اليقين فهو ممنوع لان اليقين بالإمامة (بالحياة) رافع لموضوع الاستصحاب، فيلزم أن يقتضي الاستصحاب ما يرفع موضوعه ويستلزم عدمه فيكون مما يلزم من وجوده عدمه وهو محال. وما أفاده (قده) صدرا وذيلا لا يرد على ناحية واحدة. فان محط النظر في الصدر إلى الجدوى في جريان الأصل من ناحية سقوط التكليف بوجوب تحصيل اليقين إذ مع حصول اليقين قهرا لا معنى للامر بتحصيله. ومحط النظر في الذيل إلى ناحية حدوث التكليف وبتحصيل اليقين مع أن ظاهر كلامه هو أن ما نفاه في الذيل عين ما أفاده في الصدر، فيكون خلطا بين المقامين.
ثم إن ما أفاده في نفي جريان الاستصحاب لاجل ترتيب لزوم تحصيل اليقين من استلزام وجود الاستصحاب لعدمه غير تام، إذ يرد عليه أنه لا إشكال في جواز أمر الشاك بشئ بتحصيل اليقين به ورفع شكه فيقال: إذا شككت في وجود زيد وجب عليك تحصيل اليقين به. والسر فيه: أن المترتب على الاستصحاب ليس هو اليقين بل الامر به وهو لا ينفي الشك، نعم امتثاله ينفي الشك ولكنه متأخر عن الامر، وارتفاع الشك بقاء لا يمنع من جريان الاستصحاب حدوثا. نعم لو كان الاستصحاب يقتضي ارتفاع الشك حدوثا جاء المحذور ولكن الامر ليس كذلك بل المرتفع هو الشك في مرحلة البقاء وهو خال عن المحذور كيف؟ وكثير من موارد الاستصحاب كذلك، كما لو استصحب عدم الاتيان بالواجب فجاء به أو استصحب الحدث فتطهر، فان الشك يرتفع بعد امتثال الحكم الظاهري، فانتبه.
الخامسة: أن السيد الخوئي نفى الاستصحاب في الأمور الاعتقادية لاجل تقيد الموضوع بالعلم فلا يلزم الاعتقاد والمعرفة إلا بالأمر المعلوم.
ولا يخفى أن ما أفاده لو فرض تسليمه لا يرتبط بأي ارتباط بموضوع الكلام بين الاعلام في المقام نفيا أو إثباتا. نعم هو التزام مستقل يترتب عليه عدم جريان الاستصحاب. هذا مع أنه كان ينبغي أن ينبه على عدم قيام الاستصحاب في المقام مقام العلم المأخوذ في الموضوع، وإلا فمجرد كون العلم مأخوذا في الموضوع لا ينفي جريان الاستصحاب إذا كان يقوم مقام العلم، فتدبر.
وكيف كان فقد عرفت منع جريان الاستصحاب في الأمور الاعتقادية المطلوب فيها الاعتقاد أو المعرفة، كالإمامة ومنه يظهر الحال في النبوة.
وتحقيق ذلك: إن المقصود بالنبوة التي يراد استصحابها إما نفس المزية الخاصة النفسية الثابتة لشخص النبي، وأما المقام المجعول للنبي وهو مقام تبليغ الاحكام والرسالة، نظير مقام الإمامة، وأما مجموع الاحكام التي جاء بها النبي.
ولا يخفى أن النبوة بالمعنى الأول لا يشك في بقائها لعدم زوالها بعد اتصاف النبي بها. وبالمعنى الثاني يعلم بارتفاعها بالموت، إذ لا محصل لجعل المنصب المزبور شرعا بعد الموت.
نعم هي بالمعنى الثالث قابلة للاستصحاب لامكان تعلق الشك بها، لكن نقول أن المتيقن هو الاحكام المحدودة بمجئ نبينا (ص) بحيث تكون خصوصية التحديد مأخوذة في متعلق اليقين، ومثله لا يشك في بقائه بل يعلم بارتفاعه، فليس المتيقن أحكام الشريعة السابقة على الاجمال بل الاحكام الخاصة وهي المحدودة بالحد الخاص فلا تثبت بعد الحد جزما، فيمتنع التمسك بالاستصحاب.
ولعله إلى ذلك يرجع ما ذكره بعض أفاضل السادة في رد الكتابي الذي تمسك بالاستصحاب، فهو لا يريد أن المتيقن أحكام شريعة موسى وعيسى المحدودة.
وتنكر الاحكام غير المحدودة، فيرجع التحديد إلى الاحكام التي يراد استصحابها، لا إلى نفس موسى وعيسى كي يقال إنهما فردان جزئيان لا كليان فلا يقبلان التقييد الموجب للتفرد والتخصيص لأنه شان المفاهيم الكلية لا الجزئية.
وأما ما ورد عن الإمام الرضا (ع) في جواب الجاثليق فهو لا يرتبط بالاستصحاب لا سؤالا ولا جوابا ويمكن أن يكون منظوره " سلام الله وصلواته عليه " إلى ما قلناه من كون المتيقن أمرا خاصا، فتدبر. والأمر سهل كما لا يخفى، والله سبحانه العالم.
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 290 291 292 293 293 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاستصحاب تعريف الاستصحاب 8
2 مناقشة التعاريف 10
3 التعريف المختار 11
4 الاستصحاب مسألة أصولية أو لا؟ 13
5 الفرق بين الاستصحاب وقاعدتي اليقين، والمقتضي والمانع 14
6 تقسيمات الاستصحاب 15
7 نفي جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستفاد من العقل 16
8 تصحيح الوجه الثالث وتعميمه للشبهة الموضوعية المصداقية 20
9 تعميم النفي للأحكام الوجودية والعدمية 22
10 الايراد على الشيخ والأصفهاني 23
11 تقريب جريان استصحاب العدم في مورد النسيان 24
12 اعتبار فعلية الشك والمناقشة فيه 26
13 أدلة الاستصحاب 33
14 الاستدلال بالأخبار 37
15 صحيحة زرارة الأولى 37
16 محتملات مفاد الصحيحة 38
17 في الاحتمال الأرجح 45
18 التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع 50
19 معنى النقض 50
20 المختار في معنى النقض 53
21 مناقشتنا للكفاية في معنى النقض 57
22 امتناع تعلق النقض باليقين 58
23 امتناع تعلق النقض باليقين اثباتا 61
24 المجعول هو المتيقن لا اليقين 64
25 الاستصحاب في الشبهة الموضوعية 65
26 المختار في دفع الاشكال في جريان الاستصحاب المذكور 71
27 الاستصحاب في الأحكام الكلية 74
28 عدم الأثر لاستصحاب عدم الجعل 76
29 مناقشة كلام العراقي 78
30 عدم قابلية الجعل وعدمه للتعبد بهما 81
31 امتناع التعبد بعدم التكليف 83
32 هل الجعل يتبع المجعول سعة وضيقا 84
33 الاستصحاب في الأحكام الترخيصية والوضعية 90
34 صحيحة زرارة الثانية 90
35 الاستدلال بالفقرة الأولى 91
36 جعل الفقرة من التعليل بالصغرى 103
37 منع إفادة الفقرة لقاعدة اليقين 106
38 الاستدلال بالفقرة الثانية 107
39 صحيحة زرارة الثالثة 107
40 رواية الخصال 117
41 مكاتبة القاساني 120
42 رواية عمار 124
43 الأحكام الوضعية 133
44 الكلام في سبب التكليف وشرطه ونحوهما 134
45 منع جعل السببية استقلالا 134
46 الايراد على وجهي الكفاية 135
47 السببية منتزعة عن خصوصية واقعية 138
48 الكلام في جزء المأمور به وشرطه ونحوهما 141
49 استشكال العراقي الشرطية 142
50 في جريان الأصل في الجزئية وعدمه 143
51 الكلام في الحجية والملكية ونحوهما 146
52 الاشكال ثبوتا في جعل الملكية استقلالا 148
53 البحث عن مجعولية الصحة والطهارة ونحوهما 149
54 تنبيهات الاستصحاب التنبيه الأول: في جريان الاستصحاب في مودي الأمارات 151
55 التبيه الثاني: في استصحاب الكلي 159
56 استصحاب الفرد المردد 160
57 القسم الأول من استصحاب الكلي 166
58 القسم الثاني من استصحاب الكلي 166
59 استصحاب الكلي في الأحكام 171
60 الشبهة العبائية 174
61 تحقيق الحق في الشبهة 176
62 القسم الثالث من استصحاب الكلي 179
63 القسم الرابع من استصحاب الكلي 180
64 التنبيه الثالث: في استصحاب الأمور التدريجية 182
65 استصحاب الزمان وجهات الاشكال فيه 182
66 استصحاب الحكم في الفعل المقيد بالزمان 191
67 التنبيه الرابع: في استصحاب الأمور التعليقية 194
68 معارضة الاستصحاب التنجيزي للتعليقي 204
69 المختار في دفع اشكال المعارضة 208
70 الاستصحاب التعليقي في الموضوعات 210
71 التنبيه الخامس: في استصحاب عدم النسخ 211
72 التنبيه السادس: في الأصل المثبت 211
73 الأصل المثبت مع خفاء الواسطة 216
74 المناقشة في استثناء صورة وضوح الملازمة 218
75 الشك في أول الشهر وجريان الأصل فيه 221
76 الحكم بتضمين اليد المشكوك ضمانيتها 224
77 الامارات المثبتة 226
78 التنبيه السابع: جهات تتعلق بالأصل المثبت 229
79 الأثر المترتب على الأمر الانتزاعي 230
80 المنع في استصحاب عدم التكليف 232
81 التنبيه الثامن: حكم ما إذا كان اللازم لازما للأعم من الوجود الواقعي والظاهري 234
82 التبيه التاسع: اعتبار كون المستصحب مجعولا في مرحلة البقاء فقط لا الحدوث 235
83 التبيه العاشر: أصالة تأخر الحادث - مجهولي التاريخ 236
84 في اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين 243
85 المحاذير المختارة لعدم جريان الاستصحاب 257
86 جهالة تاريخ أحد الحادثين 265
87 تعاقب الحادثين المتضادين 272
88 جهالة تاريخ أحد الحادثين المتضادين 276
89 كلام للمحقق النائيني في المقام 277
90 التنبيه الحادي عشر: استصحاب الأمور الاعتقادية 290
91 استصحاب النبوة والإمامة 300
92 الايراد على تشبث الكتابي باستصحاب نبوة نبيه 301
93 التنبيه الثاني عشر: في استصحاب حكم المخصص 303
94 حول صورة لحاظ الزمان ظرفا 304
95 تلخيص كلام المحقق الأصفهاني 306
96 مناقشة مع المحقق الأصفهاني 309
97 التبيه الثالث عشر: في بيان المراد من الشك في الأخبار 316
98 استصحاب الصحة 318
99 استصحاب الهيئة الاتصالية 332
100 القاطع والمانع هل يختلفان أثرا؟ 335
101 هل الناقض قسم آخر غير المانع والقاطع 338
102 استصحاب الوجوب مع تعذر بعض أجزاء المركب 340
103 التفصيل بين تعذر الجزء قبل تنجيز التكليف وبعده 341
104 خاتمة: في شروط الاستصحاب اعتبار بقاء الموضوع وتفسير مفرداته 345
105 المختار في تفسير كلام الشيخ قدس سره 355
106 المختار في حكم الفرض المذكور 356
107 عدم جريان الاستصحاب في الموضوع 359
108 التفصيل في جريان الاستصحاب في الحكم 362
109 ما اختير من الطرق في تعيين الموضوع 370
110 هل يفرق في الاستحالة بين نجس العين وبين المتنجس 376
111 هل تستفاد قاعدة اليقين من أخبار الاستصحاب 380
112 الوجوه المختارة في امتناع استفادة القاعدة 390
113 الثالث من شروط الاستصحاب: أن يكون البقاء مشكوكا 394
114 الحكومة ضابطها وتعريفها 396
115 المراد من النظر ومن التفرع 402
116 وجه تقديم الحاكم على المحكوم وكذا أخواته 405
117 الوجه المختار في التقديم 412
118 تقديم الامارة على الاستصحاب بملاك الورود 417
119 دعوى التقديم بملاك الحكومة 422
120 تذييل: الالتزام بالورود انما يلتزم به في صورة قيام الامارة على الخلاف 435
121 ثمرة التذييل 437