منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٨٠
وعليه نقول: بناء على ما حققناه من امتناع جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ بالإضافة إلى زمان الحادث الاخر في نفسه، لا يصح جريان أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة الذي يقصد به إثبات عدم الكرية في زمن الملاقاة.
وأما استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فقد عرفت أنه لا أثر له ولا معنى لجريانه لان الأثر يترتب على عدم الملاقاة في زمان عدم الكرية، لا على عدم الملاقاة في زمن الكرية. نعم يصح إجراء أصالة عدم الملاقاة إلى زمن الكرية بالمعنى المساوق لا ثبات عدم الملاقاة في زمن عدم الكرية بان لا يحاول جر المستصحب إلى زمان الكرية بل جره وينتهي بزمن الكرية، فيكون المقصود من " إلى زمن الكرية " الانتهاء بزمن الكرية لا السراية إلى زمانه وإثباته فيه، إذ بذلك يخرج عن استصحاب المجهول الاصطلاحي ولا يتأتى فيه المحذور المتأتي في استصحاب مجهول التاريخ.
ومنه يظهر الحال فيما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ، فإنه إن كانت الكرية معلومة التاريخ دون الملاقاة جرى استصحاب عدم الملاقاة أي زمان الكرية، ولا يجري استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة لعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ.
وإن كانت الملاقاة معلومة دون الكرية، جرت أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة فيثبت بها الموضوع المركب للنجاسة، ولا يجري الأصل في عدم الملاقاة للعلم بالتاريخ.
فخلاصة الحكم في صور هذا الفرع بنجاسة الماء في صورة العلم بتاريخ الملاقاة. والحكم بطهارته في صورتي العلم بتاريخ الكرية والجهل بتأرخيهما. هذا بناء على ما التزمنا به في مجهولي التاريخ ومختلفيهما، فراجع.
وقد ذهب المحقق النائيني (قده) إلى الحكم بنجاسة الماء في جميع الصور الثلاث:
أما صورة الجهل بتأريخهما: فلجريان أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، فيثبت بها النجاسة لاحراز الملاقاة بالوجدان وعدم الكرية بالأصل. ولا مجال لجريان استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرية لعدم ترتب الأثر الشرعي عليه، لان الحكم بالطهارة مترتب على كون الكرية سابقة على الملاقاة، والاستصحاب المزبور لا يثبت كون الكرية سابقة على الملاقاة إلا بالملازمة.
وأما صورة العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ الكرية، فلعدم جريان أصالة عدم الملاقاة للعلم بالتاريخ مضافا إلى كونه مثبتا. وجريان أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، فيثبت بها موضوع الحكم بالنجاسة.
وأما صورة العلم بتاريخ الكرية والجهل بتاريخ الملاقاة، فلعدم جريان أصالة عدم الكرية للعلم بالتاريخ، ولا جريان أصالة عدم الملاقاة لكونه مثبتا، فيرجع في المقام إلى عموم الانفعال بالملاقاة، لا إلى أصالة الطهارة، لما أسسه (قده) من أنه إذا ثبت حكم إلزامي للعام واستثنى منه عنوان وجودي، كان المدار في الحكم بالتخصيص على إحراز ذلك العنوان، فمع عدم إحرازه يكون المرجع هو العموم، كما لو قال المولى لعبده لا تدخل علي أحدا إلا العالم، فإنه لا يجوز له إدخال مشكوك العالمية عملا بأصالة البراءة. وما نحن فيه من هذا القبيل، لثبوت حكم عام بانفعال ملاقي النجس، وقد خرج منه عنوان الكر، فمع الشك في كرية الملاقي يكون المرجع هو العموم على الانفعال بالملاقاة. هذه خلاصة ما أفاده (قده) في المقام.
أقول: قد يتساءل بان أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية - في صورة الجهل بتأريخهما - وإن لم تكن مثبتة لورود الملاقاة على الكرية، لكنها تنفع في إثبات الطهارة وعدم النجاسة، إذ لا شك في أن عدم الملاقاة في زمان القلة ينفي موضوع النجاسة وهو ملاقاة القليل، فيكون الاستصحاب مجديا من هذه الجهة وهي نفي موضوع النجاسة وهي كافية في جريانه. فلماذا أهملها المحقق النائيني وحكم بعدم جريان الأصل؟ ويمكن أن يوجه كلامه بوجوه:
التوجيه الأول: أن يقال: أن الحكم بطهارة الماء الأولية وبحسب ذاته يزول بعروض ملاقاة النجس عليه وحينئذ فان كانت الملاقاة عارضة على الكر حكم بطهارة الماء وإلا حكم بنجاسته. فالطهارة الثابتة بعد عروض الملاقاة حكم جديد غير الطهارة الثابتة للماء في حد نفسه وقبل عروض مقتضي النجاسة.
وعليه ففيما نحن فيه بما أنه يعلم بالملاقاة، فطهارة الماء الأولية مرتفعة قطعا، وإنما يشك في ثبوت الطهارة التي موضوعها ملاقاة الكر.
ومن الواضح أن استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية أو في زمان القلة لا يثبت موضوع الطهارة فلا ينفع في إثبات الحكم بالطهارة.
وهذا التوجيه لا يمكن الاخذ به وتشكل نسبته إلى المحقق النائيني لوجوه:
الأول: أنه بناء عليه لا فرق بين القول باعتبار ورود الملاقاة على الكرية وسبق الكرية للملاقاة في تحقق الاعتصام والحكم بالطهارة والقول بكفاية بينهما، إذ استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة لا يجدي في إثبات ملاقاة الكر سواء ان اعتبر تأخر الملاقاة عن الكرية أو لم يعتبر. مع أن ظاهر كلامه بناه عدم جريان الأصل المزبور على ما التزم به من اعتبار ورود الملاقاة على الكرية بحيث لو التزم بالقول الاخر كان الأصل مجديا، فكيف يمكن نسبة هذا الوجه إليه (قده).
الثاني: أنه بعد أن كان موضوع النجاسة هو ملاقاة غير الكر، كان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمن الكرية مجديا في نفي النجاسة وإن لم يجد في إثبات الطهارة، فيترتب عليه نفي الآثار المترتبة على مانعية النجاسة. ولازم ذلك معارضته لاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة المثبت للنجاسة، فان الاستصحاب النافي والمثبت متعارضان.
الثالث: عدم تمامية مبنى التوجيه، فان كون الطهارة المجعولة للكر الذي لاقته النجاسة حكما آخر غير الطهارة الأصلية، وإن كان ممكنا ثبوتا لكن مقام الاثبات لا يساعد عليه، فان ظاهر مثل قوله (ع): " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ ": إن الكر لا ينفعل بالنجاسة فهو باق على طهارته بلا عروض مزيل عليها فالطهارة السابقة على الملاقاة والمتأخرة عنها واحدة لا متعددة.
التوجيه الثاني: أن إذا أخذ في موضوع الطهارة خصوصية سبق الكرية أو لحوق الملاقاة وورودها على الكر بحيث كان موضوع الطهارة هو الملاقاة اللاحقة للكرية أو المسبوقة بالكرية، فلا محالة يتقيد موضوع الحكم العام بالنجاسة بعدم ذلك العنوان، فيكون موضوع النجاسة هو الملاقاة غير المسبوقة بالكرية.
ومن الواضح أن أصالة عدم الملاقاة في زمان القلة لا تجدي في نفي موضوع النجاسة إلا بالملازمة.
وهذا الوجه لا يتأتى بناء على القول بكفاية مقارنة الكرية للملاقاة في عدم الانفعال، إذ عليه لا يعتبر في موضوع الطهارة أزيد من ذات الامرين الملاقاة والكرية. فلا يكون موضوع النجاسة سوى الملاقاة والقلة، فيكون استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلة مجديا في نفي النجاسة.
ولكنه كسابقه مما لا يمكن نسبته إلى المحقق النائيني (قده)، وذلك لان لازمه عدم صحة جريان أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة لعدم كون موضوع النجاسة مركبا بل مقيدا كما عرفت. والأصل المزبور لا يثبت موضوع النجاسة إلا بالملازمة كما لا يخفى. مع أنه (قده) التزم بجريانه وترتب النجاسة