النحو الثالث: ما يكون وجوده لا في نفسه: كأنحاء النسب والروابط.
وعلى ذلك فنقول: إن الحاجة دعت العقلاء إلى وضع الألفاظ التي تدور عليها الإفادة والاستفادة، وبعد أن فحصنا وجدنا أنهم وضعوا الأسماء للجواهر وعدة من الأعراض، ووضعوا الهيئات من المركبات والمشتقات للنسب والروابط، ووضعوا الحروف للأعراض النسبية الإضافية. فكلمة " في " - مثلا - في قولنا:
" زيد في الدار " تدل على العرض الأيني العارض على موضوعه: كزيد، والهيئة تدل على ربط هذا العرض بموضوعه، وهكذا...
وإن شئت قلت: إن المعاني منحصرة بالجواهر والأعراض وربطها بمحلها ولا رابع لها. ومن المعلوم أن الحروف لم توضع للأولى، ولا لبعض الأقسام الثانية، لأن الموضوع لها الأسماء، ولا للثالثة، لأن الموضوع لها الهيئات، فلا محالة تكون موضوعة للأعراض النسبية الإضافية. فكلمة " في " وضعت للأين الظرفي، وكلمة " من " للأين الابتدائي، وهكذا...، ولا فرق في ذلك بين أقسام الحروف مطلقا من الداخل على المركبات الناقصة والداخل على المركبات التامة: كحروف التمني والترجي والتشبيه ونحوها (1).
والجواب عنه يظهر بما ذكرناه من الجواب عن القول الثالث.
وتوضيح الظهور: أولا: أنا نقطع بعدم كون الحروف موضوعة للأعراض النسبية الإضافية، لصحة استعمالها فيما يستحيل فيه تحقق عرض نسبي كما في صفات الواجب تعالى والاعتبارات والإنتزاعيات، فإن العرض إنما هو صفة للموجود في الخارج فلا يعقل تحققه بلا موضوع محقق خارجا، وعليه فيستحيل وجوده في تلك الموارد.
وكيف كان، فلا شبهة في فساد هذا القول، فإن صحة استعمال الحروف في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد بلا لحاظ عناية في شئ منها تكشف