ومن هنا تفترق المعاملات عن العبادات، فإن العبادات بما أنها ماهيات مخترعة من قبل الشارع المقدس فلو كانت موضوعة للصحيحة فلا يمكننا التمسك بإطلاق أدلتها، لأن الشك في اعتبار شئ فيها جزءا أو شرطا يرجع إلى الشك في صدق اللفظ على الفاقد للشئ المشكوك فيه، لاحتمال مدخليته في المسمى.
وهذا بخلاف المعاملات، فإنها حيث كانت ماهيات مخترعة من قبل العقلاء لتنظيم الحياة المادية للبشر، فلو كانت أسامي للصحيحة لم يكن مانع من التمسك بالإطلاق، فإن الصحيح عند العقلاء أعم موردا من الصحيح عند الشارع.
وقد تحصل من ذلك: أن نقطة الميز بين البابين التي توجب جواز التمسك بالإطلاق في باب المعاملات ولو كانت موضوعة للصحيحة، وعدم جوازه في باب العبادات لو كانت كذلك هي أن الصحة التي هي محل البحث في المعاملات الصحة عند العقلاء، وقد عرفت أنها أعم عند الشارع. والصحة التي هي محل البحث في العبادات الصحة عند الشارع، فهذه هي النقطة الرئيسية للفرق بين البابين.
نعم، تظهر الثمرة بين القولين في المعاملات أيضا فيما إذا شك في اعتبار أمر عرفي فيها عند العقلاء جزءا أو شرطا، كما إذا شك في اعتبار المالية في البيع - كما هو مقتضى ظاهر تعريف المصباح (1) - أو في اعتبار شئ آخر عندهم:
فعلى القول بكونها أسامي للصحيحة لا يجوز التمسك بالإطلاق، لاحتمال دخل المالية في صدق البيع، فلو باع الخنفساء أو مثقالا من التراب أو نحو ذلك مما لا مالية له عند العقلاء فنشك في صدق البيع على ذلك، ومعه لا يمكننا التمسك بالإطلاق.