(قد صدقت الرؤيا) فتأمل.
(الثاني) مما استدل به الأشاعرة هو ان الكفار وأهل العصيان كلهم مكلفون بما كلف به اهل الإطاعة والايمان بضرورة من الأديان، وحينئذ إن لم يكن في نفس المتكلم صفة وراء الإرادة حتى تكون تلك الصفة منشئا للامر وعلة له وكان منشأه الإرادة، لزم في تكليف الله تعالى الكفار وأهل العصيان تخلف ارادته عن مراده، وهو باطل بالضرورة، فيكشف ذلك عن وجود صفة أخرى له تعالى سوى الإرادة حتى تكون تلك الصفة منشئا لأوامره اللفظية وتسمى بالطلب الحقيقي.
(وأجاب المتكلمون عن هذا الاستدلال) بان منشأ الامر اللفظي ليس سوى الإرادة، وان إرادة الله التي لا تتخلف عن المراد هي ارادته وجود فعل من نفسه لا ارادته صدور فعل عن غيره فإنها قد تتخلف. (وقال المحقق الخراساني) في الكفاية (في مقام الجواب عن هذا الاستدلال): (ان لله تعالى إرادتين: إرادة تكوينية، و إرادة تشريعية، وما لا تتخلف هي التكوينية دون التشريعية.) والظاهر أن مراده هو ما قاله المتكلمون، غاية الامر انه عبر بعبارة أخرى، فمراده من الإرادة التكوينية ارادته تعالى صدور الفعل عن نفسه، ومن الإرادة التشريعية ارادته صدور الفعل عن المكلف.
* * * * * هاهنا قد تم مبحث الطلب والإرادة ولا ارتباط لهذا المبحث ابدا بمسألة الجبر والتفويض، فما تراه في كلام بعض من ابتنائه عليها في غير محله، غاية الامر ان المحقق الخراساني لما قسم الإرادة إلى قسمين كما مر آنفا، فسر الإرادة التكوينية له تعالى بعلمه بالنظام على النحو الكامل التام (أعني ما تراه وتشاهده في صفحات عالم الوجود من الايمان والكفر والنزاع والجدال وغير ذلك، وبعبارة أخرى كل ما وجد ويوجد إلى يوم القيمة) وفسر الإرادة التشريعية له تعالى بعلمه بالمصالح الكامنة في أفعال المكلفين الموجبة لامره تعالى إياهم بفعلها، (ثم قال بعد تفسيرهما): فإذا توافقتا (أي كان صدور فعل من الأفعال عن مكلف خاص ذا مصلحة وكان أيضا دخيلا في النظام الأكمل فكان موردا للإرادتين) فلا بد (ح) من الإطاعة والايمان، وإذا تخالفتا (أي كان صدور الفعل عن المكلف