موجودة في سائر الحيوانات غير الانسان أيضا. (1) والفعل الاختياري هو ما كان مسبوقا بشعور طرفي الفعل والترك، والقدرة على كليهما، واختيار أحدهما على الاخر، لا ما كان مسبوقا بالإرادة مطلقا، نعم اختيار أحد الطرفين مستتبع لإرادته، ولكن المناط في الثواب والعقاب هو الاختيار لا الإرادة، فبطل ما في الكفاية من اصله وأساسه.
(ثم إن ما ذكرناه) من تركب روح الانسان من الرقايق المختلفة، لعله المشار إليه بقوله تعالى في سورة الدهر: انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا، بناء على كون المراد من النطفة الامشاج (أي المختلطات)، هي اللطائف والرقائق التي خمرت منها روح الانسان وحقيقته التي فيها انطوى العالم الأكبر، لا النطفة الجسمانية التي تكون مبدأ لوجود بدنه، والشاهد على ذلك ترتيب الابتلاء عليه بقوله بعد ذلك (نبتليه) إذ ما هو دخيل في ابتلاء الانسان وامتحانه، هو تركيب روحه من الرقائق المختلفة في الاقتضاء، ثم الانعام عليه بالعقل المميز بين الخير والشر، ثم تأييده بالكتب السماوية والأنبياء والمرسلين، ثم اعطائه زمام اختياره بيده حتى يفعل ما يشاء، فقوله (من نطفة امشاج) إشارة إلى تركيب روحه من الرقائق، وقوله (فجعلناه سميعا بصيرا) إيماء إلى القوة العاقلة، وفي قوله (انا هديناه السبيل) دلالة على إرسال الرسل وانزال الكتب.
(وبالجملة) ما ذكرناه يستفاد من خلال الآيات والاخبار، فمن الآيات هذه الآية، (ومنها أيضا) قوله تعالى: ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم، حيث إن الانسان مع التيام روحه من اللطائف المختلفة إذا غلب فيه جانب بعضها كالشهوة أو الغضب مثلا، ربما أدى ذلك إلى الخسران الذاتي وزوال الملكات الحسنة (التي بها انسانية الانسان) بالكلية ولا يتعقل لخسران النفس معنى الا هذا. واما الاخبار الدالة على هذا المعنى فكثيرة (مثل ما ورد) من أن في قلب الانسان نكتتين: نكتة بيضاء، ونكتة سوداء، فإذا صدر عنه المعصية زاد السواد بحيث ربما يؤدى إلى اضمحلال النكتة البيضاء بالكلية، (ومثل ما ورد) من أن لقلب الانسان أذنين ينفخ في إحديهما الملك وفي الأخرى الشيطان، (ومثل ما ورد) من أن الله تعالى بعد