والحروف، وكلام نفسي قائم بأنفسنا نظير سائر الصفات النفسانية، ويسمى هذا الكلام النفسي طلبا حقيقيا ان كان الطلب اللفظي امرا، وزجرا حقيقيا ان كان اللفظي نهيا.
واستشكل عليهم المعتزلة ثانيا بانا لا نجد بعد مراجعة الوجدان غير صفة العلم والإرادة والكراهة شيئا قائما بأنفسنا يكون منشئا للكلام اللفظي حتى نسميه بالكلام النفسي أو الطلب الحقيقي أو الزجر الحقيقي، فان الكلام اما أن يكون اخبارا واما أن يكون انشاء، وما يكون موجودا في نفس المتكلم حين الاخبار هو العلم بالنسبة، وما يكون موجودا في نفسه حين الانشاء هو الإرادة ان كان الانشاء امرا، والكراهة ان كان نهيا، ولا يمكن أن يكون المراد من التكلم (الذي هو من صفات الله تعالى) العلم أو الإرادة أو الكراهة، إذ المقصود اثبات التكلم له في قبال اثبات العلم والإرادة والكراهة له تعالى، فما هو مدار كلام الأشاعرة ومختارهم هو ان للمتكلم بالكلام اللفظي صفة قائمة بنفسه سوى العلم والإرادة والكراهة نسميها بالكلام النفسي، ويسمى طلبا حقيقيا في خصوص الأوامر وزجرا حقيقيا في خصوص النواهي، ويكون هذا الزجر الحقيقي منشئا للزجر الانشائي وذاك الطلب الحقيقي منشئا للطلب الانشائي وذلك الكلام النفسي منشئا للكلام اللفظي، وقد قالوا:
ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا، وما هو محط نظر المعتزلة نفى تلك الصفة النفسانية المغايرة للعلم والإرادة والكراهة بدعوى أن الموجود في أذهاننا عند الاخبار هو صفة العلم فقط. وعند الامر أو النهى هي الإرادة أو الكراهة فقط وليس في أذهاننا في قبال العلم والإرادة والكراهة شئ يسمى بالكلام النفسي أو الطلب الحقيقي أو الزجر الحقيقي، وبالجملة نزاع الفريقين انما هو في ثبوت صفة نفسانية في قبال العلم والإرادة و الكراهة، فالمعتزلة تنفيها وتقول: ان المنشأ للكلام اللفظي ليس سوى العلم أو الإرادة أو الكراهة، والأشاعرة تثبتها وتقول: انها المنشأ للكلام اللفظي والامر والنهى، فاتضح بذلك ان النزاع بينهما لا يكون لغويا: بان ينازعوا في أن لفظي الطلب والإرادة هل يكونان مترادفين أو يكون لكل منهما معنى مغاير لمعنى الاخر ولا يكون أيضا مقصود هما من النزاع هو التفحص والدقة في أن المفهوم الذي تصورناه اجمالا