قد اختلف في وجوده اهل المعقول، وهو ان يشتركا في تمام الذات ويمتاز أيضا بتمام الذات، فيكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز (1) وبعبارة أخرى يكون الامتياز بين الحقيقتين المشتركتين في تمام الذات، بكون الحقيقة كاملة وشديدة في إحديهما، و ناقصة وضعيفة في الأخرى مثل الخط القصير والطويل، فإنهما مشتركان في الخطية وممتازان أيضا بالخطية، وكالبياض الشديد والضعيف (إذا عرفت هذا فنقول: قد يتوهم) ان الامتياز بين الوجوب والندب (الذين هما قسمان من الطلب الانشائي) بجزء ذاتيهما بان يكونا مشتركين في الجنس وهو الطلب، ويتفصل كل منهما بفصل مختص به، وما يمكن ان يعد لهما فصلا أمور (الأول) أن يكون الفصل للوجوب المنع من الترك، وللاستحباب الاذن في الترك. (وفيه) ان معنى كلمة المنع ليس إلا التحريك نحو الترك أعني طلب الترك فإذا أضيف هذا إلى لفظ الترك صار حاصل معناه طلب ترك الترك وهو عبارة أخرى عن طلب الفعل المعد جنسا. (الثاني) ان يقال ان الوجوب هو الطلب الموجب لاستحقاق العقوبة عند مخالفته، والاستحباب هو الطلب الغير الموجب له. (وفيه) ان الوجوب بعد تحصله وصيرورته وجوبا يصير موجبا لاستحقاق العقوبة، فايجاب الاستحقاق من لوازمه وآثاره لامن مقوماته. (الثالث) ان يقال ان الوجوب هو الطلب المسبوق بالإرادة الشديدة، والاستحباب هو الطلب المسبوق بالإرادة الضعيفة. (وفيه) ان الإرادة من العلل الباعثة على الطلب، والمعلول بتمام ذاته متأخر عن العلة، ولا يمكن أن يكون صدور المعلول عن علته من مقوماته واجزائه. (واضعف من هذا) ان يقال: ان الوجوب هو الطلب المسبوق بالمصلحة الحتمية، والاستحباب هو الطلب المسبوق بالمصلحة الغير الملزمة.
ووجه الضعف ان المصالح والمفاسد متقدمة رتبة على الإرادة لكونها من عللها فيكون الطلب متأخرا عن المصالح والمفاسد بمرتبتين فلا يصح عدها من مقومات الوجوب والاستحباب الذين هما قسمان من الطلب.
(وقد يتوهم) كون امتياز الوجوب والندب بالشدة والضعف كالخط الطويل والقصير مثلا. (وفيه) ان الامر الانشائي ليس قابلا للشدة والضعف بنفسه لأنه امر