وباحثوا فيما تلقوه منهم في حلقاتهم التي كانوا يؤسسونها للمناظرات الدينية، فممن أسس حلقة بين المسلمين الحسن البصري (أسير عين التمر) وكان هو رئيسا في الحلقة، وكان يذاكر تلامذته في المسائل الكلامية، وقد وقع يوما من الأيام بينه وبين واصل بن عطا (أحد من تلامذته) مشاجرة في مسألة، فاعتزل ابن عطا عن حلقته وأسس لنفسه حلقة و خالف في أكثر المسائل أستاذه، ومن هنا وجد مذهب الاعتزال، وكان ممن وافق الحسن البصري في معتقداته أبو الحسن الأشعري (من أحفاد أبى موسى الأشعري وتلميذ أبى على الجبائي)، وكان أبو الحسن معاصرا للكليني (ره)، وكان في الأصل معتزليا ثم اختار مذهب الحسن البصري وتاب عن الاعتزال، لما رأى من اضمحلال المعتزلة، وبه نسبت الطائفة الأشعرية تابعوا الحسن البصري.
(ثم اعلم) ان أول مسألة اختلف فيها بين الأشاعرة والمعتزلة مسألة تكلم الباري تعالى وكان غرضهم من هذا النزاع اثبات ان القرآن حادث أو قديم، وقد سفكت الدماء الكثيرة على هذه المسألة، وكان بعض الخلفاء العباسية كالمأمون مثلا مائلا إلى مذهب الاعتزال فكانوا يحبسون من يعتقد قدم القران من الأشاعرة ويؤذونهم على ذلك. ولما كان مسألة تكلم الباري أول مسألة وقع فيها البحث من المسائل الكلامية سمى العلم الباحث في الأصول الدينية بعلم الكلام، وبالجملة أول مسألة اختلف فيها بينهما مسألة تكلم الباري فقالت المعتزلة وتبعها الامامية: انه من صفات الفعل، إذ هو عبارة عن ايجاده تعالى أصواتا في أحد من الموجودات كالشجرة مثلا فيكون حادثا، وقالت الأشاعرة: انه من صفات الذات فيكون قديما من القدماء الثمانية. (واستشكل عليهم المعتزلة) بان المراد من التكلم ليس إلا ايجاد الأصوات والحروف فلا يتصور كونه من صفات الذات.
(وأجاب الأشاعرة) بان المراد من الكلام لس هو الكلام اللفظي بل الكلام النفسي الذي هو صفة نفسانية للمتكلم، ويكون هو المنشأ للكلام اللفظي، ويكون الكلام اللفظي حاكيا له ودالا عليه دلالة المعلول على علته والمسبب على سببه، ولا يختص ذلك بالباري تعالى بل لنا أيضا كلام لفظي يكون من صفات الفعل وهو الملتئم من الأصوات