(وقد تكون) ناظرا إليه من حيث هو ماء من غير لحاظ كونه محدودا بالحدود المعينة بحيث تحتمل أن يكون تمام تحصله ما هو بمد نظرك وأن يكون متحدا مع غيره في التحصل وفى هذا الاعتبار تحكم على الماء المرئي في جبل الطارق بأنه عين ما رأيته في بيروت، إذ لم تره في الرؤية الأولى محدودا بالحدود المعينة المشخصة من الطول والعرض بل رأيته بنحو الابهام في التحصل.
فكما أن ماء البحر مع كونه موجودا واحدا ممتدا، يكون رؤية بعض اجزائه على نحوين ويصح الحمل باعتبار أحدهما دون الاخر، فكذلك الموجود الواحد المركب بالتركيب الاتحادي مثل الانسان يكون لحاظ اجزائه على نحوين، فان الحيوانية وكذا الناطقية (تارة) تلحظان بنحو الابهام من جهة التحصل بحيث لا يرى اللاحظ (في لحاظه كل واحد منهما) مانعا من أن يكون تحصله بعين تحصل الجزء الاخر، وإذا رأى كونه متحصلا بعين تحصل الاخر حكم بأنه هو لا انه غيره وانضم إليه، وفي هذا الاعتبار يسميان بالجنس والفصل ويجوز حمل كل واحد منهما على الاخر وحمله على الانسان وحمل الانسان على كل واحد منهما.
(وأخرى) يلحظ كل واحد منهما على نحو يكون تام التحصل بحيث يكون تمام تحصله ما هو الملحوظ فعلا بحدوده وأطرافه حتى أنه إذا لحظ معه الجزء الاخر كان (بهذا النظر) تحصله مغايرا لتحصله وكان من ضمائمه ومقترناته وبهذا الاعتبار يسميان بالهيولى والصورة، ولا يجوز في هذا اللحاظ حمل أحدهما على الاخر ولا حمله على النوع ولا حمل النوع عليه، لان المناط في الحمل هو الهوهوية والاتحاد ولم يحصلا في هذا اللحاظ.
وبالجملة فالجزء قد يلحظ بحد جزئيته وبما أنه شئ بحياله وانه بانضمام شئ آخر إليه يحصل الكل، وقد يلحظ لا بحد الجزئية بل بنحو الابهام في التحصل وبما أنه متحصل بعين تحصل الكل، هذا هو مراد القوم مما ذكروه في بيان الفرق بين الهيولى والصورة وبين الجنس والفصل: من اخذ المفهوم في الأوليين بشرط لا، وفي الأخيرين لا بشرط.
ومما ذكرنا ظهر لك المقصود مما ذكره بعض اهل المعقول: من أن الجنس والفصل ليسا من اجزاء المحدود بل من اجزاء الحد، والوجه في ذلك أن كلا منهما في النوع المحدود عين الاخر وغير باق بحد الجزئية إذ قد لحظ كل منهما بحيث يكون تحصله