ثم إن بعض الأمور الانتزاعية مما ينتزع قبل وجود منشأ انتزاعه كالاستقبال مثلا، فإنه ينتزع قبل وجود منشأ انتزاعه وهو مجئ المسافر، وبعضها مما لا ينتزع الا بعد وجود منشئه ثم منه ما يفنى بفنائه فلا ينتزع بعده كالفوقية، فإنها تلازم ذات الفوق حدوثا وبقاء، ومنه ما يبقى وينتزع بعد فناء المنشأ أيضا (كالأبوة) فإنها تنتزع بعد فوت الابن أيضا.
(المقدمة الرابعة) هي ما ذكرناه في المقدمة الثانية جوابا عن الاشكال، (ومحصله) انه يحتمل أن يكون مراد الأعمى ان وجود المبدء وحيثية الصدق في زمان كاف في انطباق عنوان المشتق على الموجود الخارجي في هذا الزمان وبعده إلى الأبد من دون اعتبار حيثية اعتبارية باقية بعد زوال التلبس بالمبدء، ويحتمل أن يكون مراده ان المبدء بعد تحققه آنا ما يصير منشئا لانتزاع حيثية انتزاعية اعتبارية باقية إلى الأبد، وباعتبارها يصدق العنوان على المصداق لا باعتبار نفس المبدء، فإن كان مراده الأول كان البحث عقليا غير راجع إلى اللغة وعالم الألفاظ، وقد عرفت أن المظنون عدم كون هذا مرادا له، إذ لازمه صدق المفهوم على المصداق من دون وجود حيثية الصدق أعني المصداق بالذات وهو باطل بالضرورة. على أنه لا يجوز له على هذا الاحتمال، الاستدلال على مختاره بالتبادر وعدم صحة السلب ونحوهما مما يرجع إليه في تعيين حقايق الألفاظ ومجازاتها، لما عرفت من كون البحث على هذا عقليا.
(وان كان مراده الثاني) فالبحث لغوي راجع إلى البحث في أن ألفاظ المشتقات هل تكون موضوعة لان تستعمل في المتلبس بمبدئها باعتبار نفس المبدء حتى لا تستعمل فيه بعد انقضائه، أو باعتبار حيثية اعتبارية باقية بعد انقضاء المبدء أيضا، فيجوز تطبيقها عليه بعده أيضا؟ وعلى هذا يجوز للأعمى ان يستدل لاثبات مطلوبه بعلائم الحقيقة والمجاز.
(والحاصل) ان نزاع الأخصي والأعمى على هذا يرجع إلى هذا البحث اللغوي فهذه أربع مقدمات يتوقف عليها بحث المشتق فتدبرها وانتظر ترتب النتيجة وقبل الورود في تحقيقها * (ينبغي التنبيه على أمور) * (الأول) ان ما ذكرناه في تصوير مراد الأعمى أحسن مما ذكره بعض أعاظم العصر وحاصل ما ذكرناه ان الأعمى انما ينصرف في المشتق المحمول على الذوات بان حمله