(واعلم) ان أرباب المعقول قسموا المتغايرين إلى المثلين والخلافين والمتقابلين، ثم قسموا المتقابلين إلى النقيضين والضدين والمتضائفين والعدم والملكة، إذ التقابل اما أن يكون بين وجوديين أو بين وجودي وعدمي، اما الثاني فهو على قسمين: ايجاب وسلب ان كان العدم عدما مطلقا، وعدم وملكة ان كان العدم عدم ما من شأنه الوجود، واما الأول فإن كان كل من الوجوديين في مقام التعقل محتاجا إلى الاخر فهما متضائفان والا فمتضادان، وقد عرفوا الضدين بأنهما امران وجوديان يتعاقبان على موضوع واحد وبينهما غاية الخلاف ويشتركان في جنس قريب. والضد عند الأصوليين أعم مما ذكره اهل المعقول لما عرفت من أنهم يطلقون الضد على الترك أيضا. (1) (إذا اتضح لك هذه الأمور) فلنشرع في البحث عن أصل المسألة (فنقول): الظاهر أن القائلين بكون الامر بالشئ عين النهى عن ضده أو كون النهى عن الضد جزء له أرادوا بالضد الضد العام والا فادعاء العينية أو الجزئية في الضد الخاص في غاية البعد (اما القائلون بالجزئية) في الضد العام فقد دعاهم إلى هذا القول توهم ان الوجوب (الذي هو مدلول الامر) عبارة عن طلب الشئ مع المنع من الترك بحيث يكون الطلب جنسا والمنع من الترك فصلا له. (وهذا توهم فاسد) لما عرفت سابقا من أن الوجوب عبارة عن مرتبة أكيدة من الطلب الانشائي وهو امر بسيط، غاية الامر ان القدماء كانوا يعبرون عنه في مقام التعليم والتفهيم بذلك المركب، فليس هو امرا مركبا من الجنس والفصل.
(واما القائلون بالعينية) في الضد العام فعمدة نظرهم إلى ما زعموه (من كون حقيقة النهى عبارة عن طلب ترك متعلقه) فإذا كان المتعلق له تركا صار معناه طلب ترك الترك وهو عين طلب الفعل، فان عدم العدم وان كان يغاير الوجود مفهوما ولكنهما متحدان في نفس الامر فكل ما هو مصداق للوجود فهو بعينه مصداق لعدم العدم، (لا نقول) انه مصداق له حقيقة فان الامر الوجودي بما هو كذلك يستحيل أن يكون مصداقا حقيقيا للعدم (بل نقول) انه ان قطعنا النظر عن مفهومي الوجود وعدم العدم وحاولنا لحاظ ما هو الوجود في نفس