وتوضيح المقام أن يقال: كل من قال بجواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى من محققي العامة وجمع من متأخري الخاصة اعترف بانحصار دليل جوازه في الإجماع، واعترف بأنه لولا ذلك الإجماع لما جاز، للآيات والروايات المانعة عن ذلك.
ففي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي في مبحث الإجماع: المتمسك بالظن إنما يثبت بالإجماع ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن (1) انتهى كلامه. ومثل هذه العبارة مذكورة في التلويح للعلامة التفتازاني (2) وقد نقلنا عن صاحب المعالم من أصحابنا: أن التعويل في الاعتماد على ظن المجتهد المطلق إنما هو على دليل قطعي، وهو إجماع الأمة عليه (3).
وأنا أقول: من المعلوم أن ثبوت الإجماع في هذا الموضع مفيد للقطع محل المنع، وسند المنع ما ورد في كلام الصادقين (عليهم السلام): من أن حجية الإجماع من مخترعات العامة (4). وسنده الآخر أنه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بانحصار الطريق في أخذ هذا العلم في السماع عنهم (عليهم السلام) بواسطة أو بدونها (5). وسنده الآخر أنه تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأنه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي
____________________
* العجب من إخراج ما عدده من الأحكام الشرعية مع تسليمه التكليف بها! والحرج الذي فرق به لازم لكل تكليف يتعذر العلم في حكمه ولا سبيل إليه إلا بالرجوع إلى الظن والعمل به للاشتراك في التكليف وأما تأدي ذلك إلى الحروب والفتن فما رأينا ولا سمعنا بسبب هذا في الواقع شيئا من ذلك محققا مع كثرة العلماء القائلين بالاجتهاد المستنبطين للأحكام، بل المشهور على الألسن أن اختلاف المذهب رحمة.