المطلوب أو هي الإراءة الموصلة، أو ما كانت تتعدى بنفسها إلى المفعول الثاني فهي الإيصال، وإن تعدت إليه باللام أو ب " إلى " كانت بمعنى الإراءة، وقد أشير فيما سبق، أن حقيقة الهداية ليست إلا الدلالة والإرشاد، وإن كان بينهما فرق يخرجهما من الترادف، ولكن المقصود هو الإيماء إلى أن الأقوال المذكورة ساقطة والاختلاف المزبور غير صحيح، لأن كل ذلك من الإرشاد، إلا أن مصاديق الإرشاد مختلفة لا مفهومه، ومصاديق الهداية متفاوتة لا مفهومها، فهذا التشتت ليس في أمر لغوي، بل هو لابد وأن يكون في معنى آخر وجهة أخرى خارجة عن مبحوثنا الفعلي، فما ترى في بعض كتب التفسير من توهم الأصالة لهذا النزاع والتشاح، محمول على الغفلة عن حقيقة الحال.
وما يؤيد بل يدل على ما سلكناه في هذا المضمار من أعمية معنى الهداية، قوله تعالى: * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (1).
ومما يشهد على أن الهداية بمعنى واحد - سواء تعدت باللام أو بغيره أو بنفسها - لزوم تعدد الوضع، وهو خلاف الارتكاز والوجدان، مع أنك أحطت خبرا فيما سلف بأن التعدية بنفسها إلى الثاني لا معنى لها، فليتدبر جيدا.