تلك العبادات، فهي لا تضر بالصحة، لأن العبادة تقع في الحقيقة له تعالى، وتلك الأغراض علل ووسائط في الثبوت، من غير كون الواسطة مورد العبادة، ولذلك ورد التوبيخ والتثريب بالنسبة إلى عبدة الأصنام والأوثان، مع أنهم كانوا ناظرين في عباداتهم إلى التقرب من الله تعالى * (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون) * (1)، فلو كان الغرض مورد العبادة حقيقة، لما كان وجه لزجرهم عن تلك العبادة، فيعلم من هنا أن الأغراض والعلل ليست حقيقة مورد العبادة، نعم هي الدواعي الشيطانية والدنيوية الباعثة نحو العبادة ونحو الخضوع والخشوع لله تبارك وتعالى.
وبالجملة: عبادة غير الله لأجل التوصل به إلى الله تعالى ليس جائزا، بدعوى: أن هذا هو في الحقيقة عبادة الله تعالى، كما لا يخفى على أهله.
ومما يشهد لذلك: أن الأمر بالمعروف واجب، ومن موارده الأمر بالصلاة، فلو كان تارك الصلاة لأجل الأمر بالمعروف والخوف من الأمر يصلي ويصوم، فيلزم كون ذلك من الأمر بالمنكر إذا كانت عبادته باطلة، مع أن الضرورة تنفيه، فيعلم أن المناط في صحة العبادة شرعا وفقها، كون إرادة العبد في عبادته متوجهة إلى الله تعالى، فيعبد الله، وإن كانت تلك الإرادة لا توجد في نفسه بداع من الدواعي الإلهية، وبغرض يرجع إليه تعالى وتقدس.