النفس ليس إلا في الأفق الأدنى ومطابق لذوق العرف والعقلاء، وهذه المسائل عقلية نظرية لا تستكشف بالآيات، وتلك الانتسابات والنسب المجازية كثيرة، فلا يبطل بذلك الجبر.
وأما طلب الإعانة، فهو من قبيل استعانة العبيد بالموالي العرفية في أمور تلك الموالي وفيما يرتبط بهم وبنظامهم، أو يكون لصفاء النفس هذا النحو من الخطاب والتكلم مفيدا، فأمره تعالى بذلك، فشقاوة العبد وسعادته بيده تعالى، ولا مدخلية لإرادته ولا قدرته في ذلك، أو لا إرادة له ولا قدرة له رأسا حتى تكون ذات مدخلية في حاله من الشقاوة والسعادة، فاستنتاج نفي الجبر والتفويض - كما أفاده كثير من المفسرين - محل المناقشة والخداش، بل محل المنع والنقاش، لما أشير إليه، ولأن من الممكن أن يقال: إذا قال السالك: إياك نعبد، فهو دال على استقلاله في إرادة العبادة، وإذا قال: إياك نستعين، فهو يطلب منه أن لا يحدث مانع عن البقاء على تلك الحالة، فإن إعانته تعالى عليها برفع الموانع وسدها، لا بإيجاد المقتضيات، فتدل على استقلال العبد، فتأمل.
ثم إن هنا رواية عن الصادق (عليه السلام) في رده على القدري: أنه أمره بقراءة الحمد فقرأها حتى بلغ * (إياك نعبد وإياك نستعين) * قال له: " وما حاجتك إلى المعونة، إن الأمر إليك، فبهت الذي كفر " (1) الخبر.
وهو - مضافا إلى عدم ثبوت صدوره - قابل لأن يحمل على الجدال بالتي هي أحسن، ضرورة أن مقالة القدرية ليس معناها: أنه لا يجوز لهم