وبعبارة أخرى: قد أمر الكتاب العزيز بالتعاون، فقال: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1)، وهذا لا يناسب حصر الاستعانة فيه، إلا برجوع الحصر إلى أن حقيقة المعاونة من الله والإعانة من الله وإرادة العبد من الخلق المتوسطة وبهذا يثبت التوحيد الأفعالي، ويستكشف نفوذ إرادته تعالى في جميع الأشياء، وأن كل فعل صادر من العباد وغيرهم، أنه تعالى ذو مدخلية فيه، على الوجه المقرر في الكتب العقلية (2) وفي قواعدنا الحكمية، فإن درك كيفية الدخالة صعب جدا.
وبهذا التقريب تنحل معضلة المعارضة بين الآيتين، فإن الآية الأولى تدل على أن فيض الإعانة من ناحية المقدسة، والآية الثانية تدل على أن إرادة العبد ممر ذلك الفيض، وأنها رشح من تلك الإرادة الأزلية.
ولو قيل: الآية ليست بصدد المسائل التكوينية، بل هي بصدد تفهيم كيفية عبادته تعالى، وكيفية التكلم معه في مقام المخاطبة، فلا تنافي بين أن يقول العبد في مقام إبراز الذلة والخضوع وفي موقف إظهار عظمة الرب: * (إياك نعبد وإياك نستعين) *، ومع ذلك يستعين بالآخرين.
قلنا: كلا، لأنه في مقام تعليمه، وأنه لابد وأن ينسلك في هذه السلسلة من الداعين الصادقين في دعواهم، وليس ما يترنم به مجرد لقلقة اللسان، كما هو المتعارف الآن بين الخواص والعوام.